أخذ عنه نفي الجوهر المفارق ؛ لأن الملائكة في السماء وهم فيما بينهما ؛ فدل على أنهم في حيز.
ورده ابن عرفة : بأن الجوهر المفارق غير متحيز كما أن الغرض غير متحيز ، وكذلك النفوس البشرية عند الحكماء بعد مفارقتها للأجسام ، والمراد : وما خلقنا والأرض عبثا ، ولا لغرض مقصود ؛ بل خلقنا ذلك مصاحبا لمنفعة الخلق ومؤخرتهم لا لقصد ذلك.
قوله تعالى : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا).
احتج بها الآمدي على العنبري [٦٥ / ٣١٥] القائل بأن الكافر غير المعاند لا مخلد في النار ، بخلاف المعاند فإنهم اتفقوا على أنه مخلد في نار جهنم.
والعجب من البيضاوي كيف لم يذكر غير مذهب باطل؟
ونقل نحوه عياض في الشفاء عن الغزالي ، قلنا : قاله الغزالي في كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة ، وفي كتاب الحقائق.
قال ابن عرفة : وكلامه في كتاب الاعتقاد ، كمذهب أهل السنة.
قوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ).
عبر عن المؤمنين بالفعل ، وعن المفسدين بالاسم ؛ إشارة إلى من اتصف بمطلق الإيمان والعمل الصالح ؛ مخالف لما اتصف بأبلغ الفساد ، فأحرى أن مخالفة من اتصف بأبلغ العمل الصالح هذا في ظرف الإيمان ، ويبقى من اتصف بمطلق الفساد في الأرض ، فيجاب عنه : بأن المراد من ثبت على فساده ؛ لئلا يدخل فيه من أفسد وتاب ؛ فإنه من قسم من آمن.
فإن قلت : لم نفى من تفاوت المؤمن للمفسد وهلا عكس ، كما قيل (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [سورة الحشر : ٢٠] لأن أسباب الفساد أكثر من أسباب الصلاح ، بدليل ما تقدم في قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [سورة الأنعام : ١] ، قالوا : جمع الظلمات وأفرد النور ؛ كثرة تشعب طرق الشرك واتخاذ الهدى ، ونفي ما يتوهم ثبوته أو قرب ثبوته أولى ، فالجواب : أنه بدأ بالمؤمنين اعتناء بهم وتشريفا لهم.
قوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).