إن قلت : لم عبر في (الْمُتَّقِينَ) بالاسم ، وعبر في قوله تعالى : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، بالفعل؟ قلت : لأن التقوى أمر اعتقادي تجدده خفي غير ظاهر ، وهو أقرب للثبوت ؛ فاللزوم والعمل الصالح أمر فعلي يتجدد شيئا فشيئا ، وتجدده ظاهر يدرك بالحس.
فإن قلت : هلا قيل : أم نجعل المتقين في الأرض كالفجار؟ قلنا : التقوى أمر علمي معنوي غير عذري بالحس ، والعمل الصالح أمر فعلي محسوس فناسب ذكر محله ، ولذلك قالوا : الإنسان له قوتان : علمية وعملية.
قوله تبارك وتعالى (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ).
قال ابن عرفة : النظر مطلوب في الجميع ؛ والنتيجة إنما تحصل لأولي الألباب منهم ، وظاهر الآية حجة لبعض المبتدعة ، في قوله تعالى : إن المعلوم تذكرته ؛ وهو مذهب باطل لما يلزم عليه من قدم العالم ، ويحتج بالآية من ترجح تنزيل القرآن على سرده ، كما قال تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [سورة المزمل : ٤] ؛ وتحتج لمن غير سرده ، بقوله (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [سورة طه : ١١٤] ؛ قوله : جواز العجل فيه بعد استبقاء الملك له (وَحْيُهُ) عن الله تعالى ، وكذلك حديث عائشة في ركعتين الفجر : قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخفف فيهما حتى نقول هل قرأ فيهما لم لا ، وفي بعض التوراة ، أن ولد أحمد بن حنبل ، قال لأبيه : أنت تسرد القرآن ولا ترتله ، فقال : ما سردته حتى فهمت مواعظه وزواجره.
قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ).
قال ابن عرفة : إن قلت : هلا قيل : ووهبنا سليمان لداود؟ فالجواب : أنه قصد الاعتناء بداود والتشريف له ؛ وأيضا إنما أخر سليمان ليعود الضمير عليه ، في قوله (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ، والضمير إنما يعود على أقرب مذكور.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ).
الفتنة الاختبار ، قال الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) [سورة الحج : ١١] ؛ فاقتضت أن الأنبياء والأولياء يفتنون فيفتنون على دينهم ، وكذلك سليمان عليهالسلام وما يزيدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما كسورة الأحزاب ؛ وفي آخر سورة براءة.