قال ابن عرفة : وعادتهم يوردون سؤالا تقديره ؛ أن تأثير الفعل تارة يكون بوقوع أثره في الفاعل ، وتارة بوقوع أثره في المنفعل ، ويمثلونه بحائط عليه بنيته فحدث فيه اختلاف فذهاب الخلل منه إما بإعدامه وبنائه ، وإما بتخفيف الثقل الذي عليه ، فالأول : تأثير في الفاعل وهو الحائل للثقل ، والثاني : في المنفعل وهو المحمول.
قال : وتوهم بظاهر الأثر الحاصل في الشيء المفارق ، فهلا قيل : فأقدرناه على الريح ؛ لأنه يكون تأثيرا في الفاعل راجع إلى ذاته ؛ وأما تسخير الريح فهو تأثير في المنفعل بأمر خارق لذات الفاعل ؛ وهو سليمان عليهالسلام ، وكذلك أيضا والسواء في قصة داود ، في قوله تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) [سورة سبأ : ١٠] ، ولم يقل : وأقدرناه على عمل الحديد ، قال : والجواب : أن هداه دعاء إلى خالق التذكير بالنعمة ، وهو أن الإنسان إذا أنعم عليه بصفة في غيره ؛ فإنه يتوهم في كل وقت لصالحها فهنا لو وجد هنا باقية شكر الله على دوامها ، بخلاف ما إذا كانت صفة له ملازمة لبدنه ، فإنه قد يثق بها ويتأنى الشكر عليها ؛ ويقبل عن تذكر زوالها ؛ فتذكر زوال النعمة المفارق للبدن أقرب من تذكر زوال النعمة المخالطة للبدن.
قوله تعالى : (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ).
قال ابن عرفة : هذا من باب مطرنا السهل والجبل ، فالمراد بالبناء : من يعمل منهم العمل المرتفع عل الأرض ، وبالغواص : من يعمل منهم العمل المنخفض في الأرض من حفر الآبار وغيرها.
قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ).
وليس المعنى سخرنا [٦٥ / ٣١٦] له آخرين ؛ بأن المقرن في الأصفاد غير مسخر للخدمة.
قوله تعالى : (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ).
وقال تعالى في سورة الأنبياء (١)(مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [سورة الأنبياء : ٨٣] ، فأجيب : أن آية الأنبياء أتت في معرض الامتنان ؛ فذكر النعم لأن قبلها (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) [سورة الأنبياء : ٨٤] ، ثم قال تعالى (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) [سورة الأنبياء : ٦٩] ، ثم قال تعالى (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ
__________________
(١) وردت في المخطوطة في سورة البقرة وهي في المصحف في سورة الأنبياء ، وقد أثبتنا ما في المصحف.