قال النحاس : وأما : إن صدوكم بكسر (إن) فالعلماء الجلة بالنحو والحديث والنظر يمنعون القراءة بها لأشياء منها أن الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان ـ وكان المشركون صدوا المؤمنين عام الحديبية سنة ست ـ فالصد كان قبل الآية ؛ وإذا قرىء بالكسر لم يجز إلا أن يكون بعده كما تقول : لا تعط فلانا شيئا إن قاتلك ، فهذا لا يكون إلا للمستقبل ، وإن فتحت كان للماضي. وما أحسن هذا الكلام.
وقد أنكر أبو حاتم وأبو عبيد شنآن بسكون النون ، لأن المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة ، وخالفهما غيرهما فقال : ليس هذا مصدر ، ولكنه اسم فاعل على وزن كسلان وغضبان (١).
أقول : تأمل هذا النهي ، فإن الذين صدوا المسلمين عن دخول مكة ، كانوا أنفارا حربيين ، فكيف ينهى عن التعرض لهم ، وعن مقاتلتهم ، فلا يظهر إلا أن هذا النهي منسوخ ، أو يقال : إن النهي عن ذلك من حيث عقد الصلح الواقع في الحديبية ، فبسببه صاروا مؤمنين مأمونين ، ولم أر من نبه على هذين الوجهين. ولما نهاهم عن الاعتداء أمرهم بقوله :
(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) أي ليعن بعضكم بعضا على ذلك ، وهو يشمل كل أمر يصدق عليه أنه من البر والتقوى ، كائنا ما كان.
قيل إن البر والتقوى لفظان بمعنى واحد ، وكرر للتأكيد.
وقال ابن عطية : إن البر يتناول الواجب [والمندوب] (٢) ، والتقوى تختص بالواجب (٣). وقال الماوردي : إن في البر رضى الناس ، وفي التقوى رضى الله ، فمن جمع بينهما ، فقد تمت سعادته. ثم نهاهم سبحانه بقوله :
__________________
صَدُّوكُمْ) مفعول به.
وانظر : الموضح (١ / ٤٣٦) ، ومعاني الفراء (١ / ٣٠١) ، والسبعة لابن مجاهد (٢٤٢) ، والنشر (٢ / ٢٥٤) ، والحجة لأبي زرعة (٢١٩ ـ ٢٢٠) ، ولابن خالويه ، ومعاني القراءات ، والإقناع ، والمفتاح أربعتهم بتحقيقنا ـ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(١) قال أبو عليّ الفارسي : من زعم أن فعلان إذا سكنّت عينه لم يكن مصدرا فقد أخطأ ، وتحتمل القراءة بسكون النون أن تكون وصفا .. (المحرر الوجيز ٤ / ٣٣).
(٢) في «المطبوعة» «المندب» وهو خطأ واضح والصواب ما أثبت كما في «المحرر الوجيز» (٤ / ٣٣٢).
(٣) وعبارة ابن عطية : والتقوى رعاية الواجب. (٤ / ٣٣٢).