وقد استدل بالآية على ستر العورة في الصلاة ، وإليه ذهب جمهور أهل العلم ، بل سترها واجب في كل حال من الأحوال ، وإن كان الرجل خاليا ، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة (١) ، والكلام على العورة وما يجب ستره منها مفصل في كتب الفروع (٢).
[الآية الثانية]
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)).
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) الزينة : ما يتزين به الإنسان ، من ملبوس أو غيره من الأشياء المباحة ، كالمعادن التي لم يرو نهي عن التزين بها ، والجواهر ونحوها ، وما قيل لها الملبوس خاصة فلا وجه له ؛ بل هو من جملة ما تشمله الآية ، فلا حرج على من لبس الثياب الجيدة ، الغالية القيمة ، إذا لم يكن مما حرّمه الله ، ولا حرج على من تزين بشيء من الأشياء التي لها مدخل في الزينة ، ولا يمنع منها مانع شرعي ، ومن زعم أن ذلك يخالف الزهد فقد غلط غلطا بينا.
وهكذا الطيبات من المطاعم والمشارب ونحوهما مما يأكله الناس ، فإنه لا زهد في ترك الطيّب منها ، ولهذا جاءت الآية هذه معنونة بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرّم ذلك على نفسه ، أو حرمه على غيره.
__________________
(١) حديث حسن : رواه أبو داود (٤٠١٧) ، والترمذي (٢٧٦٩) ، وابن ماجة (١٩٢٠) ، وأحمد (٥ / ٤٠٣) ، والحاكم (٤ / ١٧٩ ، ١٨٠) ، عن بهز بن حكيم عن أبيه مرفوعا ، وبهز وأبوه صدوقان. وحسنه الترمذي ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(٢) قال ابن حزم : «واتفقوا أن ستر العورة في الصلاة لمن قدر على ثوب مباح لباسه له فرض. (مراتب الإجماع ص ٣٤).
قال ابن الحاجب : في ستر العورة في الرجل ثلاثة أقوال : السوأتان خاصة ، ومن السرّة إلى الركبة ، والسرة حتى الركبة ، وقيل : ستر جميع البدن واجب. (جامع الأمهات ص ٨٩).
قال الحصني : السرة والركبة ليستا من العورة وهو ذلك على الصحيح الذي نصّ عليه الشافعي ، انظر : كفاية الأخيار (ص ١١٩). وكلام المصنف في «الروضة النّدية (ص ٨١ ، ٨٢)». ونيل الأوطار للشوكاني (٢ / ٦١ ، ٧٠).