وما أحسن ما قاله ابن جرير الطبري : لقد أخطأ من آثر لباس الصوف والشعر على لباس القطن ، والكتّان مع وجود السبيل إليه من حله ، ومن أكل البقول والعدس واختاره على خبز البر ، ومن ترك أكل اللحم خوفا من عارض الشهوة (١).
(وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) : أي المستلذات من الطعام ، وقيل : هو اسم عام كسيا ومطعما.
(قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : أي أنها لهم بالأصالة والاستحقاق وإن شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة.
(خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي مختصة بهم يوم القيامة ، لا يشاركهم فيها الكفار (٢).
قرأ نافع خالصة بالرفع ، وهي قراءة ابن عباس على أنها خبر بعد خبر ، وقرأ الباقون بالنصب على الحال (٣).
قال أبو علي الفارسي : ولا يجوز الوقف على الدنيا ؛ لأن ما بعدها متعلق بقوله (لِلَّذِينَ آمَنُوا) حال بتقدير (قُلْ هِيَ) ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها لهم يوم القيامة (٤).
__________________
(١) انظر : الطبري (٨ / ١١٣) ، وزاد المسير (٣ / ١٨٩) ، والنكت والعيون (٢ / ١٩) ، ومعاني الفراء (١ / ٣٧٧) ، والقرطبي (٧ / ٢٠٠) ، والبحر المحيط (٤ / ٢٨٣).
(٢) قال ابن الأنباري : هي للذين آمنوا في الدنيا مشتركة ، وهي لهم في الآخرة خالصة (النكت ٢ / ٥٢ ، الزاد ٣ / ١٨٩).
(٣) قال الأزهري : «من رفع فقال : (خالصة) فهي على أنه خبر بعد خبر ، كما تقول : زيد عاقل لبيب ، المعنى : قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ، أراد جلّ وعزّ أنها حلال للمؤمنين ، يعني : الطيبات من الرّزق ويشركهم فيها الكافر ، واعلم أنها تخلص للمؤمنين في الآخرة لا يشركهم فيها كافر.
ومن قرأ (خالصة) بالنصب نصبها على الحال ، على أن العامل في قوله (في الحياة الدنيا) في تأويل الحال ، كأنك قلت : هي ثابتة للمؤمنين مستقرة في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة (معاني القراءات ص ١٧٨) بتحقيقنا ـ المزيدي ـ وكذلك الحجة لابن خالويه (ص ٨٤) والإقناع لابن الباذش ، والمفتاح للمغربي ـ بتحقيقنا ـ أيضا ـ دار الكتب ـ بيروت.
(٤) قال النحاس : «قال الأخفش (قل هي للذين آمنوا لأن المعنى : هي خالصة يوم القيامة) هاهنا تمّ الكلام لأن المعنى : هي خالصة يوم القيامة للذين آمنوا في الحياة الدنيا ، قال أبو جعفر : وهذا شرح حسن ، وفي المعنى قول آخر ، قال الضحاك وغيره من أهل التأويل أن المعنى : قل هي للذين آمنوا يشاركهم فيها غيرهم في الحياة الدنيا وتخلص يوم القيامة للذين آمنوا ، والتمام ـ كما قال الأخفش ـ على المعنيين جميعا (القطع والائتناف) بتحقيقنا ـ دار الكتب العلميّة ـ بيروت.