متواليات وواحد فرد ، كما ورد بيان ذلك في السنة المطهرة (١).
(ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) : أي كون هذه الشهور كذلك ، ومنها أربعة حرم ، هو الدين المستقيم ، والحساب الصحيح ، والعدد المستوفى.
(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي في هذه الأشهر الحرم ، بإيقاع القتال فيها ، وانتهاك حرمتها.
وقيل : إن الضمير يرجع إلى الشهور كلها ، الحرم وغيرها ، وأن الله نهى عن الظلم فيها ، والأول أولى.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت محكم لم ينسخ بهذه الآية ؛ ولقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) [المائدة : ٢] ولقوله : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٥].
ويجاب عنه بأن الأمر بقتل المشركين ومقاتلتهم مقيدة بانسلاخ الأشهر الحرم كما في الآية المذكورة ، فتكون سائر الآيات المتضمنة للأمر بالقتال مقيدة بما ورد في تحريم القتال في الحرم ، للأدلة الواردة في تحريم القتال فيه.
وأما ما استدلوا به من أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم حاصر أهل الطائف في شهر حرام ـ وهو ذو القعدة كما ثبت في «الصحيحين» وغيرهما (٢) ـ فقد أجيب عنه أنه لم يبتد محاصرتهم في ذي القعدة بل في شوال ؛ والمحرم إنما هو ابتداء القتال في الأشهر الحرم ، لا إتمامه ، وبهذا يحصل الجمع.
(وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) : أي جميعا ؛ وهو مصدر في موضع الحال.
قال الزجاج : مثل هذا من المصادر كعامة وخاصة ، لا تثنّى ولا تجمع.
(كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) ؛ وفيه دليل على وجوب قتال المشركين ، وأنه فرض على الأعيان ، إن لم يقم به البعض.
__________________
(١) حديث صحيح : رواه البخاري (٦ / ٢٩٣) ، ومسلم (١١ / ١٦٧ ، ١٧٠) عن أبي بكرة مرفوعا.
(٢) انظر : البخاري (٨ / ٤٣) ، ومسلم (١٢ / ١٢٢ ، ١٢٣) ، وانظر : الناسخ والمنسوخ للقاضي أبي بكر (٢ / ٢٦٠ ، ٢٦١) ، ومعاني الفرّاء (١ / ٤٣٦) ، والطبري (١٠ / ٩٢) ، وزاد المسير (٣ / ٤٣٥) وابن كثير (٢ / ٣٥٦) ، والقرطبي (٨ / ١٣٦) ، والدر المنثور (٣ / ٢٣٦) ، والأحكام لابن العربي (٢ / ٩٢٤ ، ٩٢٨).