ثم ذكر سبحانه حكم العاجز عن الكفارة ، فقال : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) أي فمن لم يجد الرقبة في ملكه ولم يتمكن من قيمتها ، فعليه صيام شهرين متواليين ؛ لا يفطر فيهما ، فإن أفطر يستأنف إن كان الإفطار لغير عذر ، وإن كان لعذر من سفر أو مرض ، فقال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمر بن دينار والشعبي والشافعي ومالك : يبني ولا يستأنف.
وقال أبو حنيفة : إنه يستأنف ، وهو مروي عن الشافعي. فلو وطئ ليلا أو نهارا عمدا أو خطأ استأنف ، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وقال الشافعي : لا يستأنف إذا وطئ ليلا لأنه ليس محلا للصوم. والأول أولى.
(فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) لكل مسكين مدّان ، وهما نصف صاع. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي وغيره : لكل مسكين مد واحد. والظاهر من الآية أنه يطعمهم حتى يشبعوا مرة واحدة ، أو يدفع إليهم ما يشبعهم ، ولا يلزمه أن يجمعهم مرة واحدة ، بل يجوز له أن يطعم بعض الستين في يوم وبعضهم في يوم آخر.
والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدم من الأحكام ، وهو مبتدأ وخبره مقدر ، أي ذلك واقع.
(لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) : أي لتصدقوا أن الله أمر به وشرعه ، أو لتطيعوا الله ورسوله في الأوامر والنواهي وتقفوا عند حدود الشرع ، ولا تعتدوها ولا تعودا إلى الظهار الذي هو منكر من القول وزور.
والإشارة بقوله : (وَتِلْكَ) إلى الأحكام المذكورة ، وهو مبتدأ وخبره :
(حُدُودُ اللهِ) : فلا تجاوزوا حدوده التي حدها لكم ، فإنه قد بين لكم أن الظهار معصية ، وأن كفارته المذكورة توجب العفو والمغفرة.
(وَلِلْكافِرِينَ) : الذين لا يقفون عند حدود الله ولا يعملون بما حده الله لعباده وسماه كفرا تغليظا وتشديدا.
(عَذابٌ أَلِيمٌ (٤)) : هو عذاب جهنم (١).
__________________
(١) انظر في تفسير هذه الآية وأقوال أهل العلم فيها : الأحكام لابن العربي (٤ / ١٧٣٤ إلى ١٧٤٦) ، والناسخ والمنسوخ (٢ / ٨٨١) ، مراتب الإجماع لابن حزم (ص ٩٣) الروضة الندية للمصنف