أنفسكم ، وعيونا من جوارحكم وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم ، ويعدّون أنفاسكم (١).
وبالجملة فقد توهّم قوم من الهنود أنّ الاعمار محصورة بالأنفاس فيرتاضون بحبس الأنفاس وتقليلها ، ويستعينون على ذلك بترك الأطعمة الحيوانيّة من الّلحم واللبن والبيض وغيرها ، والاقتصار على الأغذية النباتية إلى أن يبلغوا حدّا يكتفون في يوم أو يومين بل أيّام عديدة بنفس واحد ثم تحتبس النفس في أدمغتهم فلا يتحلّل شيء من أبدانهم أصلا ، ومع تحلّل شيء يسير من رطوبتها فربما تستمّد الطبيعة من بدلها من الهواء المجاور بواسطة المنافذ الضيّقة المنتشرة في أطراف البدن فيعيشون بلا غذاء ويزعمون أنّه ينكشف عليهم حينئذ أو بعد أزمنة طويلة شيء من الحقائق والمعارف ولهم في ذلك قصص وحكايات لا مساغ للعقل إلى التصديق بأمثالها.
الثاني من أقسام الحكمة العقلية هو الحكمة العمليّة الّتي يكون المقصود منها العمل وإن كان كثير من العلوم المتقدّمة أيضا كذلك إلّا أنّنا ، تابعناهم في اصطلاحهم ، وعرّفوها بأنّها معرفة مصالح الحركات الإرادّية والأفعالية الصناعية لنوع الإنسان من حيث إنّه يؤدّي إلى النظام الأتمّ الأصلح فيما يتعلّق بمعاشه ومعاده ، وقسّموها إلى أقسام ثلاثة لأنّها إمّا أن يتعلق بكلّ نفس بانفرادها ، وتسمّى سياسة النفس ، وعلم تهذيب الأخلاق أو بها وبما تحتاج إليه من شهوات قواها الثلاثة الّتي هي الناطقة والشهوية والغضبيّة ، يسمّى تدبير المنزل ، وكان أرسطو يسمّيه المدينة
__________________
عن الصادق عليهالسلام كما في تفسير البرهان ج ٣ ص ٢٢.
(١) في ظلال نهج البلاغة : الخطبة ١٥٥ ج ٢ ص ٤١٣.