ثم أورد على نفسه بأنه قد اطّرد العرف على أنّ من أنشأ كلاما بكتابه يسمى متكلّما به ، وينسب إليه ذلك الكلام ، كما يقال : قال الشافعي كذا وكذا ، وإنّما ينسب إليه ذلك الأقوال لأنه كتبها فلم لا يجوز أن يكون كلام الله تعالى من هذا القبيل ، كما يقوله المعتزلة فيكون نسبته اليه تعالى بسبب أنّه كتبه في اللوح المحفوظ أو أوجده في لسان الملك أو الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأجاب بأن من لم يقدر على تأليف الكلمات في النفس لا يسمى متكلّما وإن أوجد النقوش ، وكذلك من علم أنه ليس له قصد إلى تلك الألفاظ والحروف لا يسمى متكلّما ، ونسبة القول إلى من كتب شيئا من الكلام بسبب إعتقاد أنّه دالّ على كلامه النفسي ولو علم انه ليس له الكلام النفسي لم يسمّ متكلما أصلا كما لو فرضنا انه صدر هذه النقوش من غير الإنسان.
وثانيا بأنّ النصوص السمعية دالّة على إثبات صفة الكلام له تعالى وظواهر تلك النصوص أنّها صفة مغايرة لساير الصفات كالعلم والقدرة والإرادة ، والقول بما قاله المعتزلة يؤدّي إلى أن لا يكون الكلام صفة اخرى بل راجعة إلى القدرة على خلق الكلمات في محلّها ، والتجاوز عن الظواهر من غير ضرورة مستنكر ، على أنه لا يمكن الدلالة على نفي الكلام النفسي ، ولو نفوه لزمه القدح في كونه تعالى متكلّما بالمعنى العرفي كما سبق ، وبعد ثبوت الكلام النفسي يتمّ ما ذكرناه من تحقيق مذهب الأشعري من غير خلل.
أقول : وفيه أولا أنّ ما مهده من أنّ صفة التكلم فينا عبارة عن قوة تأليف الكلام ممنوع جدا ، فإنّ التكلّم من الأفعال التي يعتبر فيها الفعلية ولا يكفي فيه الشأن والقوة إذ الفعلية والتحصيل هي المنساق منه عند إطلاقه ولذا لا يقال تكلّم زيد بمجرد قدرته على ذلك ، وبالجملة فرق بين الصفات النفسية والأفعال