ـ وهي قبلة اليهود ، والنصارى ـ وعن سر هذا التحول؟! فالإجابة عليه غاية في السهولة : إن الإرادة الإلهية لم تمنع الأول ، وارتضته ، وعندنا القاعدة الشرعية القائلة : إنّ شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف حكما شرعيا ، أو ما لم يرد خلاف ذلك.
وكذلك فإن الإرادة الإلهية ـ والأمر لها ـ اقتضت الأمر الثاني ، وأمرت به. وما المانع ، وما العجب في التحويل للقبلة إذا كانت الجهات كلها مشارقها ومغاربها لله تعالى : مصداق قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) سورة البقرة آية ١٤٢. فلم يبق ما نقوله في هذا المقام : إلا أنه إذا كان هناك عجب ، أو سر يستعجب أو يفشى فيما يتعلق بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام بمكة ، فإنه لا يتعدى الحسد ، والحقد ، والبغضاء من الكفار أنفسهم على المؤمنين الذين آمنوا بربهم ، واقتدوا بسنة نبيهم ، وأطاعوا رسولهم ؛ وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بقبلة الصلاة ، والتوجه بها إليها. وصدق الله تعالى حيث قال فيهم : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) سورة البقرة آية ١٠٩.
الشبهة الثانية عشرة :
إن القرآن الكريم بقسميه المكي ، والمدني تأثر بالمواقف الحربية مع الأمم الأخرى ، خاصة اليهود ، والنصارى ، والوثنيين ؛ مما جعلته أكثر تطورا حتى بالنسبة لألفاظه ، ومفاهيمه ، ونصوصه عن الله تعالى ، وصفاته. وكما ورد في كتاب : العقيدة ، والتشريع في الإسلام : «فانضمت في الفترة المدنية صفة القوة ، والجبروت ضد الكفار المعاندين إلى صفة الرحمة» (١).
__________________
(١) د. محمد عبد الله دراز ـ المرجع الآنف الذكر. ص ١٥٦.