وهي حكمة اقتضتها العناية الإلهية في الفرضية والابتلاء والتصديق. وقد تخفى علينا الحكمة كما قد تظهر. وليس في تحويل القبلة صلة بمعاداة اليهود للرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ؛ فالشرائع السماوية ليست خاضعة لأهواء البشر من المحبة ، والمعاداة ، والبغضاء ؛ وإنما الشرع ما شرعه الله. وفضلا عن ذلك لا نجد علاقة بين تحويل القبلة ، وبين التقلبات السياسية في المدينة المنورة ، أو في الجزيرة العربية. وإلا لما اقتصر ذلك الأمر على تحويل القبلة فقط. وكذلك فإنّ تحويل القبلة لم يكن سببه معاداة اليهود للمسلمين حيث إن الثابت أن عداوة اليهود بدأت سنة ٦٢٥ م في حين كان تحويل القبلة سنة ٦٢٣ م.
ولنا التساؤل في هذا المقام : أين العجب من تحويل القبلة من بيت المقدس أولى القبلتين ، وثالث الحرمين إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة ، وإذا شاءت الإرادة الإلهية بذلك؟!! ولكن من فقد الإيمان والهداية والرشاد ، ولا يؤمن بتوحيد الألوهية في المشيئة بالفرضية والتكليف ، والتحويل ، لا يعدم الوسيلة في إسداء الآراء ، وبث الافتراءات ، وإلقاء التساؤلات على عواهنها ؛ قصده الوحيد الطعن في الإسلام ليس إلا. ولنا أن نؤكد ، والجميع يعلم ـ مسلمون وغير مسلمين ـ أن التوجه في الصلاة إلى بيت المقدس كان فرضا بالسّنة ، والسّنّة وحي ؛ حيث إن التوجه بالصلاة بادئ الأمر لم يكن معلوما بالقرآن ، فصلى المسلمون نحو بيت المقدس حوالي ستة عشر شهرا فرضا بالسنة. وكانت الصلاة في بادئ الأمر بالتخيير إلى الجهة مصداق قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) سورة البقرة آية ١١٥. ثم نسخت هذه السّنّة بالقرآن مصداق قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) سورة البقرة آية ١٤٤.
وما التوجه بالصلاة إلى القدس ، وما التحويل لها إلى مكة المكرمة إلا وقد جاء في النصوص ، وللنصوص التشريعية النبوية ، والإلهية.
وأما التساؤل عن سر توجه المسلمين في بادئ الأمر إلى القدس