إيرادها على هذه الصورة من الخفاء ، وهي الاختبار ، والابتلاء. وأما المتشكك فيك ، فيقول : ما ذا أراد بهذا؟ وكيف ساغ له أن يورده؟ وما مبلغ العلم الذي فيه؟ ثم ينسى تلك المعارف الواسعة الواضحة التي زوّدته بها من قبل ذلك ، وكلها من أعلام العلم ، وآيات الفضل.
ولا يفوتنك في هذا المقام أن تعرف أن ابتلاء الله لعباده ليس المراد منه أن يعلم سبحانه ما كان جاهلا منهم «حاشاه حاشاه». فقد وسع كلّ شيء علما. إنما المقصود منه إظهار مكنونات الخلق ، وإقامة الحجج عليهم من أنفسهم ؛ فلا يتهمون الله في عدله ، وجزائه ، إذا جعل من الناس أهلا لثوابه ، وآخرين لعقابه. (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) سورة الكهف آية ٤٩.
(الرأي الثاني في فواتح السور) أن لها معنى مقصودا معلوما. قالوا : لأن القرآن كتاب هداية ، والهداية لا تتحقق إلا بفهم المعنى ؛ خصوصا أننا أمرنا بتدبر القرآن ، والاستنباط منه ، وهذا لا يكون إلّا إذا فهم المعنى أيضا.
غير أن أصحاب هذا الرأي تشعبت أقوالهم في بيان هذا المعنى المقصود بفواتح تلك السور. فذهب بعضهم إلى أن فاتحة كل سورة اسم للسورة التي افتتحت بها ، واستدلوا بآثار تفيد ذلك ، منها ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال «يس قلب القرآن» وقوله «من قرأ السّجدة ، حفظ إلى أن يصبح». ومنها اشتهار بعض السور بالتسمية بها. ثم إن ورودها في فواتح سور مختلفة بلفظ واحد ، ينافي كونها أسماء للسور. بل شأنها في ذلك شأن الأعلام المشتركة اشتراكا لفظيّا كلفظ محمد المسمى به أشخاص كثيرون. فيضمّ إلى اسم كل منهم ما يميز مسماه عن غيره ، فيقال : محمد المصري ، ومحمد الشامي مثلا. وكذلك فواتح السور يقال فيها : «الم البقرة ، والم آل عمران ، وحم السجدة» وهلم جرا.
وبعضهم ذهب إلى أنها أسماء للحروف الهجائية التي وضعت بإزائها. وهؤلاء منهم من قال : إن المقصود من ذلك هو إفهام