بيانه ، ودلائل هدايته ، وشواهد رحمته ، في غير تلك الفواتح من كتابه ، بين آيات ، وسور كثيرة ، لا تعتبر الفواتح في جانبها إلا قطرة من بحر ، أو غيضا من فيض.
فأما الذين آمنوا فيعلمون أن هذه الفواتح حق من عند ربهم ، ولو لم يفهموا معناها ، ولم يدركوا مغزاها ؛ ثقة منهم بأنها صادرة من لدن حكيم عليم ، عمّت حكمته ما خفي ، وما ظهر من معاني كتابه ، ووسع علمه كل شيء عرفه الخلق أو لم يعرفوه من أسرار تنزيله. (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) سورة البقرة آية ٢٥٥.
(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) سورة آل عمران آية ٧.
ونظير ذلك أن يكون لك أصدقاء تريد أن تعرفهم ، أو تعرف منهم مدى صداقتهم لك ، فتبتليهم بأمور يزلّ عندها المزيّفون ، ويظهر الصادقون.
على حد قول القائل :
وعلى حدّ المثل القائل : «إنّ أخاك من واساك».
ابل الرّجال إذا أردت إخاءهم |
|
وتوسّمنّ فعالهم وتفقد |
فإذا ظفرت بذي اللّبانة والتّقى |
|
فبه اليدين قرير عين فاشدد |
ونظير ذلك أيضا : أن تكون أستاذا معلما ، وتريد أن تقف على مدى انتباه تلاميذك ، ومبلغ ثقتهم فيك ، وفي علمك بعد أن زوّدتهم منك بدراسات واسعة ، وتعاليم واضحة ؛ فإنك تختبرهم في بعض الأوقات بكلمات فيها شيء من الألغاز ، والخفاء ؛ ليظهر الذكيّ من الغبيّ ، والواثق بك الوامق لك ، من المتشكك فيك المتردّد في علمك ، وفضلك.
فأما الواثق فيك فيعرف أن تلك الألغاز ، والمعمّيات ، صدرت عن علم منك بها ، وإن لم يعلم هو تفسيرها ، ويعرف أن لك حكمة في