المرحوم محمد عبد العظيم الزرقاني حيث أفاض وأجاد ردا ، وتفنيدا وبالأدلة المستفيضة ، والمقنعة نستعين بها ، وننقلها كما وردت في كتابه : «مناهل العرفان في علوم القرآن» (١) فبدأ بقوله :
«وننقض هذه الشبهة بأمور : (أولها) أنه لم يكن للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كتبة من اليهود أبدا. وها هو التاريخ حاكم عدل لا يرحم ، ولا يحابي. فليسألوه إن كانوا صادقين. (ثانيها) أنه لا دليل لهم أيضا على أن فواتح هذه السور تستعمل في تلك المعاني التي زعموها ؛ وهي (أوعز إليّ محمد) أو (أمرني محمد) ، لا عند اليهود ، ولا عند غيرهم في أية لغة من لغات البشر. (ثالثها) أن اليهود لم يعرف عنهم الطعن في القرآن بمثل هذا. ولو كان هذا مطعنا عندهم لكانوا أول الناس جهرا به ، وتوجيها له ؛ لأنهم كانوا أشد الناس عداوة للنبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، والمسلمين ؛ يتمنّون أن يجدوا في القرآن مغمزا من أي نوع يكون ؛ ليهدموا به دعوة الإسلام. كيف ، وهم يكفرون به حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحق؟! (رابعها) أن اشتمال القرآن على كلمات غير ظاهرة المعنى لا ينافي وصف القرآن بأنه بيان للناس ، وهدى ، ورحمة ؛ فإن هذه الأوصاف يكفي في تحقّقها ثبوتها للقرآن باعتبار جملته ؛ ومجموعه ، لا باعتبار تفصيله ، وعمومه الشامل لكل لفظ فيه. ولا ريب أن الكثرة الغامرة في القرآن كلها بيان للتعاليم الإلهية ، وهداية للخلق إلى الحق ، ورحمة للعالم من وراء تقرير أصول السعادة في الدنيا والآخرة.
وهذا الجواب مبنيّ على أحد رأيين للعلماء في فواتح تلك السور ، وهو أن المعنى المقصود غير معلوم لنا ، بل هو من الأسرار التي استأثر الله بعلمها ، ولم يطلع عليها أحد من خلقه. وذلك لحكمة من حكمه تعالى السامية ، وهي ابتلاؤه سبحانه ، وتمحيصه لعباده ؛ حتى يميز الخبيث من الطيب ، وصادق الإيمان من المنافق ، بعد أن أقام لهم أعلام
__________________
(١) الشيخ عبد العظيم الزرقاني ، مناهل العرفان في علوم القرآن ، الجزء الأوّل من ص ٢٢٦ ـ ٢٣٦.