ولأقتصر لك مما قرأته على ثلاث طرائق فيما ترمز إليه هذه الحروف :
(الطريقة الأولى) أن تكون هذه الحروف مقتطعات من أسماء الله ، كما روي عن ابن عباس «رضي الله عنهما» أنه قال : الألف آلاء الله ، واللام لطفه ، والميم ملكه. وعنه أن (الر) و (حم) ، و (ن) مجموعها الرحمن. وعنه أن (الم) معناه أنا الله أعلم ، ونحو ذلك في سائر الفواتح. وعنه أن الألف من الله ، واللام من جبريل ، والميم من محمد. أي القرآن منزل من الله بلسان جبريل على محمد «عليهما الصلاة والسلام» أقول : إنما أراد ابن عباس بذلك أن تكون الحروف مذكرة بالله عزوجل في أكثر الأحوال ، وذكر الله أجلّ شيء. ويرجع الأمر إلى أنها أسماء مرموز لها بالحروف كما تقدّم عن الأمم السالفة من النصارى في إسكندرية ، ورومة. ولكن لا بدّ أن يكون هناك ما هو أعلى ، وأجلّ.
(الطريقة الثانية) أن هذه الحروف من أعجب المعجزات ، والدلالات على صدق النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهذا مما ترضاه النفوس. ألا ترى أن حروف الهجاء لا ينطق بها إلا من تعلم القراءة. وهذا النبي الأمي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد نطق بها. والذي في أول السور أربعة عشر حرفا منها ، وهي كلها ثمانية وعشرون حرفا إن لم تعدّ الألف حرفا برأسه ، فالأربعة عشر نصفها. وقد جاءت في تسع وعشرين سورة ، وهي عدد الحروف الهجائية إذا عدّت فيها الألف. وقد جاءت من الحروف المهموسة العشرة وهي : «فحثه شخص سكت» بنصفها ، وهي الحاء ، والهاء ، والصاد ، والسين ، والكاف.
ومعلوم أن الحروف إما مهموسة ـ أي يضعف الاعتماد عليها ـ وهي ما تقدّم ، وإما مجهورة ، وهي ثمانية عشر ، نصفها ـ وهو تسعة ـ ذكرت في فواتح السور ، ويجمعها «لن يقطع أمر».
والحروف الشديدة ثمانية ، وهي «أجدت طبقك» أربعة منها في الفواتح ، وهي «أقطك».