وفوائده عزيزة ، فينبغي أن يرد على سمع متنبه ؛ فكان من الجائز أن يكون الله قد علم في بعض الأوقات كون النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» في عالم البشر مشغولا ، فأمر جبريل بأنّ يقول عند نزوله : (الم) ، (الر) ، (حم) ؛ ليسمع النبي صوت جبريل ، فيقبل عليه ، ويصغي إليه. قال : وإنّما لم يستعمل الكلمات المشهورة في التنبيه كألا ، وأما ، لأنّها من الألفاظ التي يتعارفها النّاس في كلامهم ، والقرآن كلام لا يشبه الكلام ، فناسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم تعهد ؛ لتكون أبلغ في قرع سمعه» (١).
ولكن الإمام رشيد رضا صاحب تفسير المنار يستبعد هذا التأويل ، وجعل التنبيه للرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، فهو يقول : «كان يتنبه ، وتغلب الروحانية على طبعه الشريف بمجرد نزول الروح الأمين عليه ، ودنوه منه. كما يعلم ممّا ورد في نزول الوحي من الأحاديث الصحيحة ، ولا يظهر فيه وجه تخصيص بعض السور بالتنبيه».
ويذكر رشيد رضا بعد ذلك : «أنّ التنبيه إنّما كان أولا وبالذات للمشركين في مكة ، ثمّ لأهل الكتاب في المدينة» (٢). وقد قال بعض العلماء : إنّه تنبيه للعرب حيث كانوا يلغون بالقرآن ، فإذا سمعوا هذه الأحرف ، استمعوا له تعجبا.
٨ ـ إنّها الحروف التي يتكون منها القرآن ـ فتدل على أنّ القرآن يتكون ، ويتألف من هذه الحروف التي جاء بعضها مقطعا ، منفردا ، وجاء تمامها مؤلفا مجتمعا ؛ وذلك إعجازا للعرب بأنّه نزل بالحروف التي يعرفونها ، والتي تتكون منها لغتهم ، ويتخاطبون بها ، ويظهر بها بيانهم ، وتتجلى بها فصاحتهم ، ومع ذلك أعجزهم ، وأقرعهم ، وأفحمهم.
__________________
(١) السيوطي ـ الإتقان ـ ج ٢ ـ ص ١١.
(٢) محمد رشيد رضا ـ تفسير المنار ـ ج ٨ ـ ص ٣٠٣.