مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد ، لكن يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد.
فأما الأول : فكالاختلاف في ألفاظ «الصراط ، وعليهم ، ويؤده ، والقدس ، ويحسب» ، يطلق عليه أنه لغات فقط.
وأما الثاني : فنحو لفظ «مالك وملك» في الفاتحة ؛ لأن المراد في القراءتين هو الله تعالى لأنّه مالك يوم الدين وملكه .. وكذا ننشزها بالزاي ، وننشرها بالراء ؛ لأنّ المراد بهما هو العظام. وذلك أن الله تعالى أنشرها أي أحياها ، وأنشزها أي رفع بعضها إلى بعض حتى التأمت ، فضمن الله المعنيين في القراءتين.
وأما الثالث : فنحو قوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) قرئ بالتشديد ، والتخفيف في لفظ «كذبوا» المبني للمجهول. فأما وجه التشديد ، فالمعنى : وتيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم. وأما وجه التخفيف ، فالمعنى : وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم (أي كذبوا عليهم) فيما أخبروهم به. فالظن في الأولى يقين ، والضمائر الثلاثة المرسل. والظن في القراءة الثانية شك ، والضمائر الثلاثة للمرسل إليهم.
ومن هذا القبيل قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) بفتح اللام الأولى ، ورفع الأخرى في كلمة : «لتزول» وبكسر الأولى وفتح الثانية فيها أيضا. فأما وجه فتح الأولى ، ورفع الثانية من «لتزول» فهو أن تكون كلمة «إن» مخففة من الثقيلة ، أي وإن مكرهم كامل الشدة تقتلع بسببه الجبال الراسيات من مواضعها ، وفي القراءة الثانية «إن» نافية أي ما كان مكرهم ، وإن تعاظم ، وتفاقم ؛ ليزول منه أمر محمد «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، ودين الإسلام. ففي الأولى : تكون الجبال حقيقة ، وفي الثانية تكون مجازا. ثم قال أيضا : «فليس في شيء من القرآن تناف ، ولا تضاد ، ولا تناقض. وكل ما صح عن النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» من ذلك ، فقد وجب قبوله ، ولم يسع أحدا من الأمة رده ، ولزم الإيمان به ؛ وأنّه كله منزل من عند الله ، إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب