أولا : فكونه هداية للجن ، والإنس : فإنّه يستحيل تحقيق هذا المقصد القرآني عن طريق الترجمة الحرفية للقرآن ؛ وذلك لأنّ الكلام الرباني في مفرداته ، وتراكيبه ، وتناسقه ، وتعبيراته ، واستعاراته ، وكناياته ، ومجازه ، وتوريته ، وسياقه اللفظي يحمل في طياته أسس ، ومعالم وحوافز تقريب شواهد الهداية لخلق الله من الجن ، والإنس. ومن ثمّ فليس هناك كلام بشري له نفس تلك الخصائص اللغوية ، ويمكن ترجمة القرآن إليه ؛ ومن ثم يمكن إحلاله محل الكلام الرباني ، وفي الوقت نفسه يحمل في طياته شواهد الهداية للخلق من الجن ، والإنس. وأيضا : إذا افترض أن هذا المقصد ـ وهو الهداية ـ يمكن تحقيقه بالترجمة لمعاني القرآن الأصلية ، فإنّه يستحيل تحقيقه بالنسبة لترجمة معاني القرآن الثانوية. وبعبارة أخرى : فإنّ ما يمكن تحقيقه في الترجمة بالنسبة إلى كل ما يفهم من معاني القرآن الأصلية ، فهو لا يمكن تحقيقه إلى كل ما يفهم من معاني القرآن الثانوية التابعة ؛ لأنها كما قلنا مدلولة لخصائص القرآن العليا التي هي مناط إعجاز البلاغي.
ثانيا : وكونه آية : فإنّه يستحيل تحقيق هذا المقصد القرآني عن طريق الترجمة الحرفية للقرآن. فبالكلام البشري المترجم إليه القرآن عربيا كان أو أعجميا ، يستحيل أن تتحقق به معجزة القرآن الخالدة ، وهي كونه آية النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» سمت بدلالاتها ، ومفاهيمها ، وهدايتها ، وأحكامها ، ومناهجها عن غيرها من آيات الأنبياء الحسية الوقتية. فمقصد كون القرآن آية يخرج أن مقدور البشر تحقيقه حتى وإن سما كلام البشر في بيانه وفصاحته ، وبلاغته ؛ لأنّه سيبقى بخصائصه هذه عاجزا تماما أن تتحقق به معجزة انفرد بتحقيقها الكلام الرباني القرآني ، بل ولا يقدر عليها إلا الله وحده.
ثالثا : وكونه متعبدا بتلاوته : فإنّه يستحيل تحقيق هذا المقصد القرآني عن طريق الترجمة الحرفية للقرآن. فأي ترجمة للقرآن إلى لغة أخرى غير لغته ليست قرآنا ، وبالتالي لا تحمل خصائصه في ألفاظه ،