الأمر الثاني : حدوث عارض فجائي عاق قدراتهم البلاغية ، وعطل مواهبهم البيانية ، وطمس فصاحتهم اللغوية ، وأقعدهم عن تعاطي أسباب المعارضة رغم توافر الدوافع ، والبواعث لها.
الأمر الثالث : وجود مانع إلهي ، وقدرة إلهية صرفت العرب عن معارضته ، وسلبتهم القدرة على المعارضة ، وهم قادرون عليها ؛ ولو لا هذه الصرفة الإلهية لعارضوه ، ولجئوا بمثله. وهذا الأخير هو المعبر عنه بالقول بالصرفة ، والذي اشتهر عن النظّام من المعتزلة. ولم يتابعه عليه تلميذه الجاحظ ، وحتى أي أحد من علماء العربية. ويعزى أيضا القول بالصرفة إلى أبي إسحاق الأسفراييني من السنة ، وإلى المرتضى من الشيعة.
تفنيد هذه الشبهة :
أولا : بالنسبة للأمر الأول ـ وهو حجة عدم توفر أسباب ، وبواعث المعارضة ـ فهذه الحجة مردودة على أصحاب هذه الشبهة. فيقينا ، وبالدليل التاريخي ، والعلمي ، واللغوي ، أنّ أسباب ، وبواعث المعارضة كانت موجودة ، وموفورة ، ومتضافرة ، ودوافعها كانت قائمة. وقد حفز القرآن بواعث المعارضة فيهم ، وأكثر من مرة ، وفي أكثر من مناسبة ، وفي أكبر زمن ؛ ولما لم يستطيعوا ، تذرعوا بعدم توافر دواعي ، وبواعث المعارضة في زمنهم. وتفنيدا لهذه الشبهة ، وتأكيدا على تفاهتها ، فقد تحدّاهم القرآن بالنسبة لأهم ، وأعظم مجالات المعارضة ، وهي الأسلوب ، والعقيدة.
أ ـ فبالنسبة للأسلوب في البلاغة ، والبيان ، والفصاحة ، فقد تحدّاهم أكثر من مرة أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، فعجزوا مصداق قوله تعالى : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) سورة الطور آية ٣٤. أليس في هذا تقريع مثير لهم في المعارضة ، وهم أهل الحديث والبلاغة كما يدعون. وردا على تخرصاتهم ، وإمعانهم في التذرع