قتلوا ، وما أخرجوا إلا بعد أن أفحموا ، فعجزوا عن المعارضة للقرآن. ولعل مكرهم ، وكفرهم ، وعنادهم ، لم يكن موجها إلى القرآن في الصدور كما يقول شيخنا محمد عبد الله دراز ، وإنّما إلى هدف واحد هو إعلان هذا القرآن ، ونشره بين العرب. وفي ذلك يروي أبو داود والترمذي : أن الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» حينما كان يعرض نفسه على الناس في الموقف يقول : «ألا رجل يحملني إلى قومه؟!! فإنّ قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي» فهو لم يقل : منعوني أن أتلو كلام ربي ، أو أن أحفظه ، وإنّما قال : منعوني أن أبلغ كلام ربي ، فهو في إعلانه ، وتبليغه للناس ، ونشره بينهم ، أشد وطئا ، وأكبر حملا عليهم. فمانعوا ، وعاندوا ، وكادوا ، وقتلوا ، وبعد أن عجزوا ، قالوا : شغلنا شاغل عنه ، وعرض لنا عارض ، فمنعنا أن نعارضه ، وأن نفحم معلنه ، وأن نمنع رسوله ، وأن نحاربه بسلاحنا. وإنه ، ولو لا هذا لقلنا مثله إن هذا إلّا أساطير الأوّلين. قال تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) سورة الأنفال آية ٣١.
وقالوا : فهذا القرآن ليس بحق ، وإن ما جاء به من فصاحة أسلوبه ، أو بلاغة بيان ، وإن ما جاء فيه من ألوهية توحيد ، أو ربوبية تأليه ، أو نورانيّة هداية ، أو موعظة ، أو رحمة ، أو شفاء إن هذا إلّا اختلاق ، ويا عجبا لهذا!! فناشره ساحر كذاب. مصداق قوله تعالى : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) سورة «ص» الآيات ٤ ـ ٧.
وقادهم كفرهم إلى أن أعمى الله بصيرتهم ، فدعوا على أنفسهم بالعذاب إن كان هذا الذي يدعيه محمد حقا مصداق قوله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) سورة الأنفال آية ٣٢. أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : قتل النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط ، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث ـ وكان المقداد أسر النضر ـ فلما أمر بقتله ،