يحسوا بزوال القدرة على المعارضة إلّا بعد أن حاولوا وجربوا. ولذا لم تكن هناك صرفة قبلية ، ولكن الصرفة بعدية ، طمس الله على قلوبهم ، وأخرس ألسنتهم بعد أن عاندوا ، وادعوا ، وحاولوا فلم يستطيعوا. وبعد أن فشلوا ، ادعوا أن الله صرفهم عن معارضة القرآن مسبقا ، وقبل أن يحاولوا ، وقبل أن يجربوا. وفي هذا تستبين شواهد الكذب على القول بالصّرفة المسبقة ، وفي هذا تستبين شواهد الصدق على القول بالصرفة البعدية. وفي هذا تستبين شواهد الصحة على العجز بعد المحاولة. ويا ليتهم ادعوا الصرفة البعدية ، وبأنّهم بعد أن حاولوا ، وجربوا ، فشلوا. ومن ثمّ فالقول بالصّرفة يوقعهم في شر أعمالهم ، ويوقعهم في أحط تناقضاتهم ، وأقصى افتراءاتهم. فكيف يدّعون أن الله صرفهم عن المعارضة ، أو أن العناية الإلهية سلبتهم قدرتهم على المعارضة ، وفي الوقت نفسه تتحداهم الإرادة الإلهية أن يعارضوا القرآن؟!! فإذا كانت الإرادة الإلهية وقفت منهم موقف التحدي ، ووضعتهم في موضع الابتلاء والامتحان في المعارضة للقرآن ، ثم تأتي هذه الإرادة ، وتسلبهم أسباب التحدي ، وتعريهم من عوامل الابتلاء ، والامتحان ، وتفقدهم قدرتهم على المحاولة ، وتصرفهم عن تجربة الابتلاء ، وتحرمهم من دخول الامتحان ؛ أو ليس هذا يوقعهم في أشد مغالطاتهم ، وأقبح تناقضاتهم؟ أو ليس في هذا ـ لو صدقوا ـ تفريغا لمعاني التحدي ، من كل معنى ، أو اعتبار ، أو قيمة ، أو فائدة؟!! وما قيمة الامتحان ، وما قيمة الابتلاء دون المحاولة للتقدم لهذا الامتحان ، أو تجاوز هذا الابتلاء؟! وهل يبقى للتحدي أية قيمة ، وهل يظل للمعارضة أية فائدة إذا منع المرء المتحدّى من التحدي ، أو الأخذ بأسباب المعارضة؟! تالله إن هذا لهو التناقض بعينه ، وإن هذا لهو التبجح ذاته ، وإن هذا لهو العجز بشواهده ودلائله ، وإن هذا هو العبث بأتم معانيه!! فالتحدي الإلهي قائم ، وسيظل قائما ، وإلى قيام الساعة ، وليس لقريش فقط ، وليس للعرب فقط ، وفي عصر من العصور ، وإنّما إلى قيام الساعة ، وللبشرية جمعاء. فليس هناك صارف ، وليس هناك مانع يمنع من المحاولة للتحدي ، وإلّا كان هذا عبثا. والتحدي قائم ،