وتمثلوه ، وترسموا خطواته ، واغترفوا من مناهله أن يدنوا أسلوبهم شيئا من أسلوبه على ما تقضي به غريزة التأسي ، وشيمة نقل الطباع من الطباع ، ولكن شيئا من ذلك كله لم يكن»(١).
ثانيا : إنّ من الخطأ الفادح تشبيه القرآن الإلهي بالكلام النبوي تبعا لمعيار أو بناء على معيار ليس بدقيق ، وليس بمانع ؛ وحتى لم تثبت صحته ، ونقضت سلامته. وهو معيار العجز النسبي عن الإتيان بمثل الكلام النبوي. والثابت المتواتر أنّ العجز بالنسبة للقرآن الكريم عجز مطلق ، فإعجازه مطلق سواء بالنسبة للبشر جميعا ، أو الجن جميعا ، وفي مختلف الأزمنة ، والأمكنة وإلى قيام الساعة. والثابت المتواتر أيضا أنّ العجز بالنّسبة للكلام النبوي عجز نسبي. فإعجازه نسبي ، وغير مطلق ؛ ولو بالنسبة للقليل اليسير المماثل له ، أو القريب منه. ولذلك وإيضاحا لما نقول نؤصل أمرين اثنين :
الأوّل : إنّ الحديث النبوي الشريف يقترب كثيرا ، ويشابه كثيرا ، ولو إلى حد ما ، كلام كثير من الصحابة ، والتابعين. ويصل بنا هذا التماثل وهذا التشابه إلى درجة أنّه يلتبس حتى على الكثير من المحدثين ، أو أصحاب الاختصاص في علم الحديث ، أو أصحاب الاختصاص في التفسير ؛ وهل هو حديث مرفوع ينتهي إلى الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ،!! أم أنّه موقوف عند الصحابي ،! أم أنّه مقطوع عند التابعي!! إلى أن يرشدنا السند إلى قائله؟
وقد استبان هذا التشابه بين كلام الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» وكلام الصحابة والتابعين المقربين جدا إليه ، كالإمام علي ـ رضي الله عنه ـ وإلى درجة جعلت نفسه في الكلام من أشبه الأنفاس بكلام رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» إن لم يكن أشبهها. ولنا أن نتساءل : فأين القرآن من الحديث النبوي في التماثل والتشابه؟! وأين القرآن الكريم من أحاديث الصحابة ، والتابعين في هذا المقام؟! فكيف يقارن القرآن الإلهي بالكلام البشري ؛ وبحجة معيار لم
__________________
(١) د. محمد عبد الله دراز ـ النبأ العظيم ـ ص ٩٧.