قدر مشترك بين الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وجميع آحاد الأمة. ولا ريب أن لهذه البشرية المشتركة وجه شبه يؤدي لا محالة إلى المماثلة بين كلامه ، وكلام من تجمعه بهم رابطة ، أو روابط خاصة على نحو ما قررنا. أليس الله يقول : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً). ويقول : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) ثمّ أليس الرسول يقول في الحديث الشريف : «إنّما أنا بشر ، وإنّكم تختصمون إلي» إلخ. ويقول لرجل رآه ، فامتلأ منه فرقا ورعبا. «هوّن عليك ، فإنّي لست بملك ؛ وإنّما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد». وأيضا فإنّ لشيخنا محمد عبد الله دراز كلاما مفيدا في هذا المقام ، فهو يقول : «وأما إن قيل : إن التفاوت بينه «عليهالسلام» ، وبين سائر البلغاء كان إلى حد انقطاع صلتهم به جملة ؛ لاختصاصه من بين العرب ، ومن بين النّاس بفطرة شاذة لا تنتسب إلى سائر الفطر في قليل ، ولا كثير إلّا كما تنتسب القدرة إلى العجز ، أو الإمكان إلى الاستحالة ، فلا شك أن القول بذلك هو آخر القول بأنّ من الإنسان ما ليس بإنسان ، أو هو التسليم بأنّ ما يجيء به هذا الإنسان لا يكون من عمل الإنسان. ذلك أن الطبيعة الإنسانية العامة واحدة. والطبائع الشخصية تقع فيها الأشياء ، والأمثال في الشيء بعد الشيء ، وفي الواحد بعد الواحد ؛ إن لم يكن ذلك في كل عصر ، ففي عصور متطاولة ؛ وإن لم يكن في كل فنون الكلام ، ففي بعض فنونه. وكم رأينا من أناس كثيرة تتشابه قلوبهم ، وعقولهم ، وألسنتهم ؛ فتتوافق خواطرهم ، وعباراتهم حينا ، وتتقارب أحيانا ؛ حتى لقد يخيل إليك أن الروح الساري في القولين روح واحد ، وأنّ النفس هاهنا هو النفس هناك. وكذلك رأينا في الأدباء المتأخرين من يكتب بأسلوب ابن المقفع ، وعبد الحميد ـ الكاتب ، ومن يكتب بأسلوب الهمذاني ، والخوارزمي ، وهلم جرا. فلو كان أسلوب القرآن من عمل صاحبه الإنسان ، لكان خليقا أن يجيء بشيء من مثله من كأن أشبه بهذا الإنسان مزاجا ، وأقرب إليه هديا ، وسمتا ، وألصق به رحما ، وأكثر عنه أخذا ، وتعلما. أو لكان جديرا بأصحابه الذين نزل القرآن بين أظهرهم ، فقرءوه ، واستظهروه ، وتذوقوا معناه ،