التفوق للكلام النبوي ، ولكن ليس تحت معيار العجز المطلق بالاقتراب منه ، أو العجز المطلق في مماثلته. فكل متنافس يدلي بدلوه ، ويتقدم بصنعته ، ويباري بأسلوبه ؛ فإن عجز ، فلا يمنع أن يتقوى بحليفه أو قرينه ؛ فإن عجز ، فجماعته ، وجماعة البلغاء ، والفصحاء من العرب لا تعجزهم حتما شواهد البلاغة ، ومؤشرات الفصاحة النبوية. فهم وإن عجزوا عن الإتيان بمثل الكلام النبوي ، فلا يعجزون حقا عن أن يأتوا بشيء ، ولو قليل قريب منه أو يشابهه ـ وأين هذا من القرآن الكريم ـ فإعجازه في التحدي لا يتناول الفرد أو الفردين ، والجماعة أو الجماعتين ، وإنّما يتناول غاية البشر ، والجن ، وإلى قيام الساعة. فهو دائما معجز لهم حتى ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وصدق ربنا ، وهو يقول في هذا المقام : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) سورة الإسراء آية ٨٨.
ولشيخنا الزرقاني كلام مفيد في هذا المقام : فهو يقول : وإنّما قلنا إنّ الحديث النبوي لا يعجز بعض الخواص الممتازين أن يأتي بمثله ؛ لأنّ التفاوت بين الرسول ، وبلغاء العرب مما يتفق مثله في مجاري العادة بين بعض النّاس ، وبعض في حدود الطاقة البشرية : كالتفاوت بين البليغ والأبلغ ؛ والفصيح ، والأفصح ؛ والحسن ، والأحسن. وليس هذا التفاوت بالأمر الشاذ الخارق للنواميس العادية جملة ؛ بحيث تنقطع الصلة بين الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وسائر البلغاء جميعا ؛ لاختصاصه من بينهم بفطرة شاذة لا تمت إلى سائر الفطر بنسب إلّا كما ينسب النقيض إلى النقيض ، والضد إلى الضد. كلا بل إن هذا القول باطل من وجهين :
أحدهما : إنّه يخالف المعقول ، والمشاهد لما هو معروف من أن الطبيعة الإنسانية العامة واحدة ؛ ومن أن الطبائع الشخصية يقع بينها التشابه ، والتماثل في شيء ، أو أشياء في واحد ، أو أكثر في زمن قريب ، أو أزمنة متطاولة ، في كل فنون الكلام ، أو في بعض فنونه.
والآخر : أنّه يخالف المنقول في الكتاب ، والسنة ، من أنّ البشرية