الشبهة الثالثة :
إنّ عجز النّاس عن الإتيان بمثل القرآن لا يدل على أنّه معجز. ودليل ذلك : أنّهم عجزوا عن الإتيان بمثل الكلام النبوي. ومع ذلك فعجزهم هذا لا يدل على إعجاز الكلام النبوي أو قدسيته ـ وكذلك القرآن ، فإنّ العجز عن الإتيان بمثله لا يثبت إعجازه ، أو أنّه كلام الله ، كما لا يثبت قدسيته. فالعرب في قصورهم البياني ، والبلاغي عن البلاغة المحمدية كان سببا في عجزهم عن الإتيان بمثل الكلام النبوي. وهو كذلك السبب نفسه الذي أعجزهم عن معارضة القرآن. وبهذا فإن هذا العجز لا يدل على ، ولا يثبت قدسية الأسلوب القرآني كما لا يدل على ، ولا يثبت قدسية الأسلوب النبوي.
تفنيد هذه الشبهة :
أولا : إنّ الحديث النبوي غير معجز ، وغير متحدى به كالقرآن. وما التفاوت ، والفضيلة البيانية ، والقدرة البلاغية بين الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وبين خاصة العرب من أهل البلاغة ، والبيان ؛ وما التفاوت هذا إلّا في حدود القدرة البشرية ، وليس بالأمر الشاذ الخارق للعادة. والرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وهو أفصح العرب ، وله المقام الأوّل في الصنعة البيانية ، والقدرة البلاغية ، إلّا أنّه بالنسبة لغيره من فصحاء العرب كالتفاوت بين البليغ ، والأبلغ ، وبين الحسن ، والأحسن. وبذلك فكلامه «صلىاللهعليهوآلهوسلم» بسماته البيانية ، وخصائصه البلاغية قريب جدا إلى نظيره ، وهو كلام فصحاء العرب ، ومن ثمّ لا يستحيل على هؤلاء الفصحاء أن يأتوا ولو بقدر يسير من كلام الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ؛ وإن أعجزهم ذلك ، فإنّه لا يستحيل عليهم إن يأتوا بحديث أو كلام قريب منه ، ولو كان يسيرا. فالكلام النبوي لا يعجزهم ؛ بل لم يعجزهم أن يأتوا بالقليل اليسير الذي يشبهه ، أو القريب منه. وكذلك فإنّ سعة التحدي ، والإعجاز في الميدان البياني تسمح لكل من الكلام النبوي ، وكلام نظرائه من البلغاء العرب أن يتنافسا في هذا الميدان. ولو أنّ ذلك يتم تحت معيار