دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سورة هود آية ١٣. ولم يستطيعوا حتى بالنسبة لسورة واحدة من مثله. مصداق قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سورة يونس آية ٣٨.
وبذلك عبّر القرآن عن إعجازه في تحديه لهم بالتيئيس لهم بعدم القدرة في التحدي حتى لو كان من في الأرض جميعا من الإنس ، والجن ظهيرا لبعضهم البعض في ميدان التحدي ، فقال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) سورة الإسراء آية ٨٨. قال الإمام فخر الدين الرازي : «وجه الإعجاز : الفصاحة ، وغرابة الأسلوب ، والسلامة من العيوب». ولنا أن نتساءل : هل استطاع أي منهم ـ وهم أهل الميدان البياني ، وفوارس الميدان البلاغي ـ أن يأتي بكلام ، وعلى نمط ، وأسلوب ، ومنهج اكتملت فيه علامات البيان ، وتحققت فيه شواهد الإعجاز؟!! كلا ثمّ كلا. فقد فشلوا ، وقد خسروا في ميدان الرهان ، وبقي القرآن ، وسيظل هو الفائز الرابح ، وإلى الأبد بإذن الله في ميدان التحدي ، والإعجاز. اللهم فاشهد. ولنا أن نؤكد أن وجه الإعجاز في القرآن راجع إلى التأليف الخاص به لا إلى التأليف المطلق. فلو نزعت لفظة منه لم يستطع لسان العرب أن يأتي أو يوجد غيرها ، وفي محلها. فقامت الحجة بفصاحته ، وبلاغته على العرب قاطعة. وكما يقول القاضي أبو بكر الباقلاني : «وجه إعجازه ما فيه من النظم ، والتأليف ، والتوصيف ، وأنّه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ، ومباين لأساليب خطاباتهم. ولهذا لم يمكنهم معارضته ، ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي أودعها في الشعر ؛ لأنّه ليس مما يخرق العادة. ونظم القرآن ليس له مثال يحتذى ، ولا إمام يقتدى به ، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا» (١).
__________________
(١) السيوطي ، الإتقان. ج ٢. ص : ١١٩.