وكذلك لو كان القرآن الكريم في أسلوبه ، وبيانه من عمل الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، لما استحال على المقربين منه ، أو الأقربين منه فصاحة ، وبلاغة ، وبيانا ، ولما استحال على أصحابه الذين أخذوا منه ، وتعلموا أسلوبه ، ونقلوا عنه فصاحته ، وبيانه ، أن يقتربوا بأسلوبهم من أسلوب القرآن الكريم ، كما اقتربوا من أسلوب الحديث. ولكن هذا لم يحدث على الإطلاق. وبحيث ، وباليقين عند أصحاب اليقين ، وبالدليل عند من تنكر للدليل أن القرآن يظل ، وسيظل دوما مستقلا بأسلوبه ، ومنفردا بطابعه البياني ، ساميا بخصائصه البلاغية ، وسماته النسقية ، والإعجازية عن أي أسلوب أو كلام أو نسق بشري أو جني ، وإلى أبد الآبدين ، حتى ولو كان كلاما نبويا.
فأسلوب القرآن يسمو بسماته الإلهية لا يشابه ، ولا يماثل. والكلام النبوي يسمو بسماته النبوية ، ولكن قد يشابه ، وقد يماثل. والكلام البشري يسمو ، ولا يسمو ، ويشابه ، ويماثل دوما.
الشبهة الرابعة :
إنّ القرآن غير معجز في أسلوبه. بدليل أنّه لم يخرج عمّا هو معهود عند العرب من أساليب ، وتراكيب ، ومناهج لغوية. فمن حروفهم ركبت كلماته ، ومن كلماتهم ألفت جمله ، ومن تراكيبهم ، ومفرداتهم جاءت آياته ، وعلى مناهجهم ، وأساليبهم في التأليف جاء منهاجه. والقرآن في لغته ضمن أسلوبه مفردات موادها ، وأبنيتها هي ذاتها التي انبنت عليها مفردات لغة العرب ، وأساليبهم ، ومناهجهم. والقرآن في مادته الكلامية يستقي من نفس مادة العرب الكلامية. والقرآن في صنعته البيانية لا يخرج عن صنعتهم البيانية. فالقرآن لا يخرج في مادته الكلامية ، وصنعته البيانية ، ومفرداته ، وتراكيبه ، وأساليبه ، ومناهجه عمّا هو معهود لدى العرب. فكيف يكون معجزا؟!! وكيف يتسنى ، وكيف يصح القول بأنّه معجز وفي أسلوبه ، وتراكيبه ، ومناهجه تلك؟!! فما هذا القول إلّا تحصيل ، حاصل ومن قبيل العبث ، والادعاء في الكلام ليس إلّا.