تفنيد هذه الشبهة :
إننا ، ونحن ننتقض هذه الشبهة نحتج بالحجة ، وبالشهادة.
أولا : وأما بالنسبة للحجة : فإنّنا نستطيع القول ، وبكل ثقة : إنّ حجتهم التي يؤيدون بها شبهتهم هي نفسها التي ننقض بها شبهتهم. والمثل يقول : من فمه أدينه.
فكون لغة القرآن من نفس مادة العرب الكلامية ، وكون مادته الكلامية من نفس مادتهم الكلامية ، وكون صنعته البيانية هي نفسها ، ولم تخرج عن صنعتهم البيانية ، فهذا هو الإعجاز بعينه. ولو لم يكن القرآن كذلك ، لما كان معجزا في لغته ، وأسلوبه ، ومادته. فالإعجاز بالتحدي لا يكون حقيقيا ، ويفقد كل معنى ذي بال ، ومفيد إذا لم تكن الأمور والشواهد التي يتحدى بها من جنس معالم الميدان الذي يعمل فيه المتحدي.
وهكذا القرآن ، وهو يتحداهم بمادته الكلامية ، وهي مادتهم ؛ وهو يتحداهم بصنعته البيانية ، وهي صنعتهم ، ثمّ يفشلوا ، ولا يثبتوا في هذا الميدان الذي هم فوارسه ، وأساتذته ؛ ثمّ يلقون أسلحتهم وهي التي تحداهم القرآن بها. فلعمر الله ، إنّه هو الإعجاز الحقيقي ، والنافذ.
وهكذا القرآن ، وهو يتحداهم بشيء يملكونه ، ويملكون أدواته ، ومراده ؛ وبصناعة يملكون أدواتها ، ويتقنونها ، ويبرعون فيها ثمّ يفشلون ، ويلقون أسلحتهم. فلعمر الله ، إن هذا لهو التحدي الذي يملك كل معنى. ولعمر الله ، إنّه هو الفشل ، فشل الصانع ، والصناعة. وهكذا الحال في كل ميادين الإعجاز أن يكون التحدي بشيء موجود ، ومقدور عليه ، وإلّا لا يكون هناك تحديا ، أو إعجازا حقيقيا ، وذا بال.
وبذلك فالقرآن ، وقد أعجزهم بمادته الكلامية التي مادتهم ، وصنعته البيانية التي صناعتهم ، فقد أثبت إعجازه في ميدان التحدي الكلامي