والبياني ، وأقام الحجة على إعجاز أسلوبه ، وفنّد بها شبهتهم ، وأبطل حجتهم. وليعلم أصحاب هذه الشبهة أنّه ، وعند ما يكون الكتاب ربانيا والكلام إلهيا ، يخرج بالدليل القاطع ، واليقين الثابت عن قدرة ما ليس هو برباني أو إلهي. ويبقى ذلك الكتاب ، وذلك الكلام ساميا بمنبعه الرباني ، كاملا بمصدره الإلهي ، معجزا بلغته ، ومادته ، ومفرداته ، وتراكيبه ، وأساليبه ، وإلى قيام الساعة. ويبقى ذلك الكتاب وذلك الكلام خارجا عن القدرة البشرية ، معجزا لها في ميادين التحدي البياني ؛ وإن كان في لغته ، ومادته ، وصنعته من نفس المادة الكلامية ، والصنعة البيانية للبشرية. وهذه حجة له عليها ، وليس حجة عليه. فالقرآن يبقى مميزا بأسلوبه ، ولغته ، ومفرداته ، وتراكيبه ، ومناهجه ، ومواده ، وخواصه ، وعامه ، ومطلقه ، ومقيده ، ومنطوقه ، ومفهومه ، ووجوه مخاطباته ، وتقديمه ، وتأخيره ، وأمثاله ، وأقسامه ، وجدله ، ومجازه ، وكناياته ومبهماته ، وأسمائه ، وألقابه ، وكناه ، وعلومه. ورحم الله الإمام فخر الدين الرازي إذ يشير في تفسيره لسورة البقرة إلى بعض شواهد إعجاز القرآن في أسلوبه حيث يقول : ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة ، وفي بدائع ترتيبها ، علم أن القرآن كما أنّه معجز بحسب فصاحة ألفاظه ، وشرف معانيه ؛ فهو معجز أيضا بسبب ترتيبه ، ونظم آياته. ولعل الذين قالوا : إنّه معجز بسبب أسلوبه أرادوا ذلك ، إلا أنّي رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه اللطائف غير منتبهين لهذه الأسرار. وليس الأمر في هذا الباب إلّا كما قيل :
«والنجم تستصغر الأبصار رؤيته |
|
والذّنب للطّرف لا للنّجم في الصّغر» |
أمّا ، وقد فقدوا الحجة ، فالله تعالى يقول : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) سورة الأنعام آية ١٤٩.
ثانيا : وأمّا بالنسبة للشهادة : ومن فمه أدينه. وكما قيل قديما ، وكما يقال حديثا : الإقرار حجة على المقر. وهكذا ، وبالنقل المتواتر ، وباليقين الثابت ، وبالدليل القاطع ، وبالإقرار الشاهد ، سيظل القرآن معجزا ،