وسيظل النّاس مؤمنهم ، وكافرهم يقرون ، ويشهدون على عظمة القرآن في التحدي ، والإعجاز. وسيظل شاهدا في إعجازه على البشرية جمعاء ، مفحما لها ، منتزعا اعترافاتهم ، وإقراراتهم ، وشهاداتهم ، ومن جوف أفواههم ، وعلى عظمته ، وإعجازه. حتى ولو تجاهلوا ذلك. قال تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) سورة الكهف آية ٥.
وهكذا ، ودوما في ميدان إعجاز القرآن البياني للبشر قاطبة قديما وحديثا ؛ دوما كبرت كلمة تخرج من أفواه مسيلمة بن حبيب الكذاب ، وطلحة بن خويلد الأسدي ، وسجاح ، والنضر بن الحارث ، وأبو الحسين أحمد بن يحيى المعروف بابن الراوندي ، وأبو الطيب المتنبي ، وسلمان رشدي ، وكاتب ياسين ، ويوسف الخال ، وأدونيس ، وسلامة موسى ، وغيرهم كثير. ومع هذا ، ومع عناد هؤلاء ، وأمثالهم على الكفر ، فهم يشهدون ولو بفلتات ألسنتهم على عظمة القرآن في الإعجاز الأسلوبي والبياني. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس : «أنّ ضمادا قدم مكة ـ وكان من أزد شنوءة ـ وكان يرقي من هذه الريح (الجنون ، ومس الجن ـ) فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون : إنّ محمدا مجنون. فقال : لو أنّي رأيت الرجل ، لعل الله يشفيه على يدي. قال : فلقيه. فقال : يا محمد ، إنّي أرقي من هذه الريح ، وإنّ الله يشفي على يدي من شاء ، فهل لك؟ فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» : «إنّ الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، من يهده الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ، ورسوله ، أمّا بعد». قال : فقال : أعد علي كلماتك هؤلاء؟ فأعادها عليه رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ثلاث مرات ، فقال : لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء ، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ، ولقد بلغت ناعوس البحر ـ أي قعره ـ».
قال : فقال : هات يدك أبايعك على الإسلام. قال : فبايعه. فقال