بعد قرن من قيام دعوة الإسلام. والحادث هو أنّ جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكبير في عامة الناس ، فقرروا مواجهة تحدي القرآن ، واتصلوا لإتمام خطتهم بعبد الله بن المقفع (٧٢٧ م) ـ وكان أديبا كبيرا ، وكاتبا ذكيا ، يعتد بكفاءته ـ فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة ..... وأخبرهم أنّ هذا العمل سوف يستغرق سنة كاملة ، واشترط عليهم أن يتكفلوا بكل ما يحتاج إليه خلال هذه المدة. ولما مضى على الاتفاق نصف عام ، عادوا إليه ، وبهم تطلع إلى معرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم». وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصيل ، وجدوه جالسا ، والقلم في يده ، وهو مستغرق في تفكير عميق ، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه على الأرض. بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة كتبها ثمّ مزّقها. لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود عساه أن يبلغ هدفه ، وهو الرد على تحدي القرآن المجيد. ولكنه أصيب بإخفاق شديد في محاولته هذه حتى اعترف أمام أصحابه ، والخجل ، والضيق يملكان عليه نفسه ، أنّه على الرغم من مضي ستة أشهر حاول خلالها أن يجيب على التحدي ، فإنّه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن ، وعندئذ تخلى ابن المقفع عن مهمته مغلوبا مستخذيا» (١).
وقد أورد ابن هشام في سيرته أيضا أن قريشا بعثت عتبة بن ربيعة إلى الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، فقال عتبة : «يا بن أخي ، إنّك منا حيث علمت من السلطة في العشيرة ، والمكان في النسب ؛ وإنّك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ؛ فاسمع مني ، أعرض عليك أمورا ، تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. فقال له : «قل يا أبا الوليد ، اسمع. قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا. وإن كنت تريد به شرفا ، سوّدناك علينا
__________________
(١) ولاستن ـ محمد. حياته. ص ١٤٣. ود. وحيد الدين خان. المرجع المشار إليه آنفا ص ١٠٩.