حتى لا نقطع أمرا دونك. وإن كنت تريد به ملكا ، ملكناك علينا. وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ؛ فإنّه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه» حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» يستمع منه ، قال : «أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال : نعم ـ قال : فاستمع مني. فقال : أفعل ... فقرأ عليه الآيات الأولى من سورة فصلت ، فلما وصل إلى قوله تعالى : (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) أمسك عتبة على فيه ، وناشده الرحم أن يكف» (١).
وإذا كانت هذه أحوال الكفار في شهاداتهم على تفوق القرآن الإعجازي في الأسلوب ، والبيان فما زادهم ذلك إلّا نفورا. وسيظل القرآن معجزا في أسلوبه ، ونظمه ، شهد على ذلك المؤمنون من العلماء. قال الشيخ ولي الدين الملوي : «ومن المعجز المبيّن : أسلوبه ، ونظمه الباهر ، والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أوّل كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها ، أو مستقلة ، ثمّ المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها. ففي ذلك علم جم. وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها ، وما سيقت له» (٢).
وقال شيخنا محمد عبد الله دراز في كتابه النبأ العظيم : «أسلوب عجب ، ومنهج من الحديث فذ مبتكر ، كأن ما سواه من أوضاع الكلام منقول. وكأنّه بينها على حد قول بعض الأدباء : وضع مرتجل. لا ترى سابقا جاء بمثاله ، ولا لاحقا طبع على غراره. فلو أن آية منه جاءتك في جمهرة من أقوال البلغاء ، لدلت على مكانها ، واستمازت من بينها كما يتميز اللحن الحساس بين ضروب الألحان ، أو الفاكهة الجديدة بين ألوان الطعام» (٣).
__________________
(١) ابن هشام ـ السيرة ـ ج ١ ـ ص ٣١٣ ـ ٣١٤.
(٢) محمد عبد العظيم الزرقاني ـ مناهل العرفان ـ ج ١ ـ ص ٨٠.
(٣) محمد عبد الله دراز ـ النبأ العظيم ـ ص ٩٣ ـ ٩٤.