ولنا القول ؛ بأنّه ، وقد فقدوا الحجة ، والشهادة على شبهتهم ، فإنّ الحجة البالغة تبقى لله وحده ، وعلى إعجاز قرآنه في أسلوبه ، وبيانه.
مصداق قوله تعالى : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) الأنعام آية ١٤٩.
وحسبك أن ننقل هنا ما ذكره الداعية المسلم محمد عبد الله دراز في كتابه «النبأ العظيم» عن خصائص أسلوب القرآن ، وإعجازه اللغوي ، فهو يقول (١) : «إنّ أوّل ما يسترعي انتباهك من أسلوب القرآن الكريم خاصية تأليفه الصوتي في شكله ، وجوهره.
١ ـ فدع القارئ المجوّد يقرأ القرآن ، ويرتله حق ترتيله نازلا بنفسه على هوى القرآن ، وليس نازلا بالقرآن على هوى نفسه. ثمّ انتبذ منه مكانا قصيّا لا تسمع فيه جرس حروفه ، ولكن تسمع حركاتها ، وسكناتها ، ومدّاتها ، وغنّاتها ، واتصالاتها ، وسكناتها ؛ ثمّ ألق سمعك إلى هذه المجموعة الصوتية ، وقد جرّدت تجريدا ، وأرسلت ساذجة في الهواء ؛ فستجد نفسك منها بإزاء لحن غريب عجيب لا تجده في كلام آخر لو جرّد هذا التجريد ، وجوّد هذا التجويد.
ستجد اتساقا وائتلافا يسترعي من سمعك ما تسترعيه الموسيقى والشعر ، على أنّه ليس بأنغام الموسيقى ، ولا بأوزان الشعر. وستجد شيئا آخر لا تجده في الموسيقى ، ولا في الشعر ؛ ذلك أنّك تسمع القصيدة من الشعر ، فإذا هي تتحد الأوزان فيها بيتا بيتا ، وشطرا شطرا ؛ وتسمع القطعة من الموسيقى ، فإذا هي تتشابه أهواؤها ، وتذهب مذهبا متقاربا. فلا يلبث سمعك أن يمجها ، وطبعك أن يملّها ، إذا أعيدت وكررت عليك بتوقيع واحد. بينما أنت من القرآن أبدا في لحن متنوّع متجدد ، تنتقل فيه بين أسباب ، وأوتاد وفواصل (٢) على أوضاع مختلفة يأخذ منها
__________________
(١) دكتور محمد عبد الله دراز ـ النبأ العظيم. من ص ١٠١ ـ ١٠٥.
(٢) هل أنت بحاجة إلى معرفة مسميات هذه الألقاب؟ الحرف المتحرك يتلوه حرف ـ