كل وتر من أوتار قلبك بنصيب سواء. فلا يعروك منه على كثرة ترداده ملالة ، ولا سأم. بل لا تفتأ تطلب منه المزيد.
هذا الجمال التوقيعي في لغة القرآن لا يخفى على أحد ممن يسمع القرآن ، حتى الذين لا يعرفون لغة العرب. فكيف يخفى على العرب أنفسهم؟!.
وترى النّاس قد يتساءلون : لما ذا كانت العرب إذا اختصمت في القرآن ، قارنت بينه ، وبين شعر نفيا وإثباتا ، ولم تعرض لسائر كلامها من الخطابة ، وغيرها؟
وأنت فهل تبينت هاهنا الجواب ، وهديت إلى السر الذي فطنت له العرب ، ولم يفطن له المستعربون؟!!
إنّ أوّل شيء أحسّته تلك الأذن العربية في نظم القرآن هو ذلك النظام الصوتي البديع الذي قسّمت فيه الحركة ، والسكون تقسيما منوّعا يجدد نشاط السامع لسماعه ، ووزعت في تضاعيفه حروف المدّ ، والغنة توزيعا بالقسط يساعد على ترجيع الصوت به ، وتهادى النّفس فيه آنا بعد آن ، إلى أن يصل إلى الفاصلة الأخرى ، فيجد عندها راحته العظمى.
وهذا النحو من التنظيم الصوتي إن كانت العرب قد عمدت إلى شيء منه في أشعارها ، فذهبت فيها إلى حدّ الإسراف في الاستهواء ثمّ إلى حدّ الإملال في التكرير. فإنّها ما كانت تعهده قط ، ولا كان يتهيأ لها بتلك السهولة في منثور كلامها سواء منه المرسل ، والمسجوع ؛ بل كان يقع لها في أجود نثرها عيوب تغض من سلاسة تركيبه ، ولا يمكن معها إجادة ترتيله إلّا بإدخال شيء عليه ، أو حذف شيء منه.
__________________
ـ ساكن يقال لهما «سبب خفيف». والحرفان المتحركان يتلوهما ساكن «وتد مجموع». والحرفان المتحركان لا يتلوهما ساكن «سبب ثقيل». والحرفان المتحركان يتوسطهما ساكن «وتد مفروق». وثلاثة أحرف متحركة يعقبها ساكن «فاصلة صغيرة». وأربعة أحرف متحركة يعقبها ساكن «فاصلة كبيرة».