على درجة من الشدة ، والوضوح ، بحيث لا يخفى على أحد ، وعلى الأخص على فطاحل اللغة العربية. فالقرآن في أسلوبه ، ونمطه ، وبيانه وتناسقه ، وخصائصه الأخرى تجعله فريدا في نوعه ، مميزا عن كلام البشر ؛ حيث جاء معجزا ، متحدى به ، لم يستطع أحد أن يعارضه ، أو يقلده ، أو يضاهيه ، أو يعيبه ، أو يأتي بمثله ، أو حتى يحرّفه. أمّا الحديث النبوي ـ وإن بلغ الذرورة في فصاحته ، وبيانه ـ فقد تناولته ألسنة المعارضة ، والتقليد ، والتحريف ، فهو لم يجئ معجزا ، ولم يتحد به ؛ ولذا فقد مسته شواهد التحريف ، فكان منه الحديث الصحيح ، والحسن ، والضعيف ، والموضوع. وأما ادعاء أعداء الإسلام أن لكلام محمد ضربين : الأول : وهو أن القرآن جاء به على انتظار ، وتمهل ، وترتيب ، وتحضير ، فأكسبه مزيدا من التهذيب ، والتنميق ، والتحبير. والثاني : وهو الحديث النبوي ، فعبر عنه دون تريث ، أو تفكير ، أو تمهل ، فجاء محررا من كل تنميق ، أو تحبير. ويردّ عليهم : بأن هذا الادعاء يفقد كل أساس مسوغ لصحته. فالقرآن الكريم نزل معظمه مفاجأة ، وعلى غير انتظار ، أو تمهل ، أو تريث ، فجاء منمقا ، مهذبا ، ساميا في لغته ، وأسلوبه ، وإعجازه. ونفس الشيء بالنسبة للحديث النبوي : فمنه ما جاء على انتظار ، وتمهل وتريث ، ومنه ما جاء على غير ذلك ، ومع ذلك فكلاهما ورد بنفس الأسلوب ، والنمط ، والخصائص. وقلما نجد تفاوتا بينهما ، وإنما يبقى التفاوت واضحا بين القرآن ، والحديث في الأسلوب ، والنمط ، والبيان ، والخصائص ؛ ويبقى بينهما كالتفاوت بين مقدور الخالق ، ومقدور المخلوق لا يقلل من هذا التفاوت زعم ، أو باطل ، أو ادعاء ، وإلى قيام الساعة.
ثانيا : إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد ، لكان قد نسبه إلى نفسه ، ولادعى الألوهية فضلا على النبوة ؛ فيحيطه بهالة أكثر قدسية ؛ فيكسب مزيدا من ثقة الناس فيه ، فتزيد قداسته فيهم ، وبالتالي تتقوى زعامته فيهم ، ويشتد تسلطه عليهم. فلو كان القرآن من تأليف محمد لكان الأولى ألا يفرق بينه وبين الحديث ؛ ولا ينتظر أن ينسبه غيره إليه ،