ولكن (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) فالمؤكد تماما حتى عند أدعياء الكفر أنّ الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» لم يدع جاها ، ولا زعامة ، ولا دنيا ، وهو الذي قال لأعرابي عند ما هالته عظمة النبوة : «هوّن عليك ؛ فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة». ومن الثابت أيضا حتى بالنسبة لأدعياء الكفر أنّه لم يدّع كتابا ، أو علما من عنده ، وما هذه الشبهات إلّا من قبيل الكفر ، والكفر عناد. والرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» هو الذي قال فيه ربه في سورة العنكبوت : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) آية ٤٨.
ثالثا : إنّ القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد لاستطاع أئمة الفصاحة ، والبلاغة ، والبيان من العرب أن يكتشفوا ذلك ، وكان سهلا عليهم ، فيدحضوا به زعم محمد أن القرآن يوحى إليه من عند الله من جهة ، ويقلدونه ـ وهم قد عجزوا عن ذلك ـ من جهة أخرى. فالقرآن الكريم ـ وهم أهل الفصاحة ، والبيان ـ أعجزهم في لغتهم ، وغزاهم في عقر بلاغتهم ، وتحداهم ، وبأطلق لسان فيهم ، وأعرب لغة بينهم ، أن يجاروه ، ولو بأقصر سورة منه تتكون من ثلاث آيات ، وهي سورة الكوثر ، ولكن هل استطاعوا؟ ... قال تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سورة البقرة آية ٢٣ وقال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سورة يونس آية ٣٨. (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) سورة الطور آية ٣٤. ولكن هل استطاع هؤلاء العرب ـ وهم أصحاب الصناعة البيانية ، والبلاغية الفائقة ـ أن يجاروا هذا القرآن ، أو يعارضوه ، أو يقلدوه؟ ... وهل قبلوا التحدي ، وهم ملاك النّباهة ، والحسّ والذوق الأدبي الرفيع؟ الجواب على ذلك أبدا : فقد عجزت أقلامهم ، وخرست ألسنتهم ، وسقطت شبهاتهم ، وفنّدت ادعاءاتهم ، فهم المتقولون مصداق قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) سورة الطور آية ٣٣. وهم الخراصون ، مصداق قوله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) سورة الزخرف آية ٢٠. وقوله تعالى : (قُتِلَ