الاقتراب منه حتى وبالنسبة لأقصر سورة منه. ولعل من أعظم تفاهاتهم ، وأكثر سواقطهم أن يتركوا أهل من نزل فيهم القرآن ، وأهل صناعته ؛ ثمّ يلجئون إلى غيرهم ، يلتمسون فيهم شخصا مزعوما ينسبون إليه باطلهم وزعمهم!!. فمرة ينسبونه إلى حدّاد هو «جبر الرومي» كان يعيش في مكة ، ومرة إلى نصراني هو الراهب «بحيرا» كان يعيش في بصرى الشام.
أ ـ أما بالنسبة للحدّاد الرومي : فقد عرف هذا الحدّاد قيّنا يتعاطى مهنة الحدادة بمكة ، ولم يكن متفرسا وحتى متعلما أو معلما للغة العربية وفي التمثل بهذا القيّن الرومي أضاف أصحاب هذه الشبهة ضعفا آخر ، وسقطا ثانيا لسقطات شبهاتهم ؛ يتمثل في أنّ القرآن عند ما أعجز أصحاب البيان في لغته ، وهي العربية ، بل وأفحم علماء لغته من العرب أهل قريش ، فلما وجدوا ألّا حيلة لهم ، لجئوا إلى غير العرب يلتمسون شخصياتهم ينسبون باطلهم إليهم ، فوقعوا في شبهتين ـ الأولى ـ أن هذا الحدّاد الرومي ليس لسانه بعربي ، وإن ألم ببعض العربية رطانة ، ولحنا ، فخرج زعمهم من دائرة التحدي القرآني الذي جاء لمن يتكلم ، بل يجيد العربية.
الثانية : أنّ هذا الحدّاد الرومي ليس بعالم أو متعلم للغة العربية ؛ وليس بصاحب بيان ، أو فصاحة ، أو بلاغة عربية ، فكيف يعقل أن يأتي بقرآن صفاته البيان في اللغة ، والفصاحة في البيان؟!! وبذلك كان حريا أن يتدحرج زعمهم من دائرة التحدي القرآني إلى دوائر التلاعب بالألفاظ ، والسخرية في الادعاء ، والباطل في الافتراء. ولعلهم وأمّا فقدانهم لكل عقلاني في التدليل والإثبات ، ولكل منطقي في التأكيد والإشهاد فقد أوقعهم في متاهات الهزلية ، والسخرية ، والغباء. فجاءوا بغلام سوقي ، واعتبروه إماما في البلاغة ، والبيان ، ومرجعا في الثقافة ، والعلوم. وكأنّهم بذلك أشهدوا على أنفسهم بتفاهة شبهتهم ، وسقطات افتراءاتهم. وكأنهم أرادوا بذلك أن يكسوا أدلة شبهتهم بلغط القول ، وتفاهة اللفظ ـ وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن القرآن ليس عملا إنسانيا ، وإنّما هو إلهي ـ. وبذلك فالله تعالى فنّد شبهتهم ، بتذكيرهم