البشر من بحيرا الراهب مع أنّ القرآن يصدق الكتب السماوية الأخرى ، ومنها التوراة ، فقال تعالى في هذا منذرا لهم ومبشرا للمؤمنين (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) سورة الأحقاف آية ١٢.
أي أن هذا القرآن عظيم الشأن ، مصدق للكتب السماوية من قبله ، نزل بلسان عربي فصيح ؛ فكيف ينكرونه ويدعون أنّه من عند البشر ، وهو أفصح لسانا ، وأظهر برهانا ، وأفصح بلاغة ، وأبلغ إعجازا من التوراة؟!! وهم ، وقد فقدوا الدليل على زعمهم ، والبرهان على ادعائهم ، فقد أفحمهم الله ، ورد كيدهم إلى نحورهم ، وهو إذ يردّ عليهم يثبّت فؤاد الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، ويؤكد لهم ، وللبشرية جمعاء أنّ الله حق ، وأنّ القرآن من عنده حق ـ مصداق قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) سورة الجاثية آية ٦.
أي هذه آيات الله ، وحججه ، وبراهينه ، الدالة على وحدانيته ، وقدرته وصدق آياته ، ومنها قرآنه العظيم ، ثمّ يتساءل منكرا عليهم تكذيبهم ، وبأنّه إذا لم يصدق هؤلاء الكفار بصدق آياته وقرآنه ، وبراهينه فبأي حديث بعد كلام الله يؤمنون؟!! وبذلك تبقى حجتهم داحضة ؛ بعد أن فقدوا أدلتهم ، وعجزوا أن يقدموا براهينهم ، وهم في نفس الوقت يحاجون في الله من بعد ما استجيب له إيمانا به ، وبآياته ، وقرآنه ، وكتبه ؛ فاستحقوا غضب الله ، وعذابه الشديد. قال تعالى : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) سورة الشورى آية ١٦.
ثالثا : إنّ ثالث شبهات شبهتهم ، وتثير السخرية من ادعاءاتهم وافتراءاتهم ، أنّهم ينسبون القرآن ، وهو بلسان عربي مبين ـ إلى أعاجم من غير العرب. وهو قد نزل بلسانهم ، أي العرب ، وتحداهم في لغتهم ، وأعجزهم في بيانهم ، وأفحمهم في بلاغتهم ، وتحدّاهم في فصاحتهم ؛ فتفوق عليهم ، ولم يقدروا عليه ؛ ولم يقدروا على التمثل به ، أو