أو بطلت ـ وهي صحيحة ـ فإنّ الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» لم يأخذ من بحيرا الراهب شيئا من العلم ، ولم يمكث عنده طويلا ؛ ليتدارس معه العلم ، أو يفقهه.
فالروايات ، ومنها رواية الترمذي ـ لم يتذكر أن الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» تعلم من بحيرا شيئا لا في العقائد ، ولا في العبادات ، ولا في الفقه ، ولا في الأخلاق. وقد أملت ظروف المقابلة ، ومدتها ، وظروف الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» وسنه أن لا يكون من هذا شيء. وما هذه الشبهة إلّا من أمر أحلامهم ، فهم قوم طاغون. مصداق قوله تعالى فيهم : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) سورة الطور آية ٣٢.
قال الخازن في تفسيره : «وذلك أن عظماء قريش كانوا يوصفون بالأحلام ، والعقول ، فأزرى الله بعقولهم حين لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل ، وهذا تهكم للمشركين» (١).
ثالثا : إنّ فاقد الشيء لا يعطيه. ومن الثابت ، وباليقين ، أن «بحيرا» الراهب لا يملك شيئا من علوم القرآن أو الفقه. فالعقلانية السليمة والمنطق الصحيح ، يأبيان التصديق بأن الذي لا يملك شيئا يعطي شيئا.
وأصحاب هذه الشبهة أنفسهم يعلمون أنّ ما جاء به القرآن الكريم من لغة ، وأسلوب ، أو بيان ، أو علم ، أو معجزات ، أو تشريع ، لا يملك بحيرا الراهب منه شيئا. فكيف يدّعى أن يقوم هذا الراهب بتعليم ، وتلقين هذا القرآن الذي لا يملك منه شيئا إلى النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم»؟!! والعقلانية السليمة تقتضي إذا أن يدعيه بحيرا لنفسه ما دام يملكه أو يملك منه شيئا ؛ وأن يكون هو أحرى بالنبوة ، وبالرسالة ، ومن ثمّ بالقرآن من محمد «صلىاللهعليهوآلهوسلم»!! وهؤلاء أبوا على أنفسهم إلّا أن يتبعوا الظن ، وإن هم إلّا يخرصون. وصدق فيهم قول ربنا : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) سورة يونس آية ٦٦. فهؤلاء كما يصفهم ربهم إن هم إلّا يكذبون ، ويظنون الأوهام حقائق.
__________________
(١) الخازن ـ التفسير ـ ج ٤ ـ ص ٢٠٩.