حسية ؛ فخرقت العادة ، وسلمت من المعارضة. وأين هذا بالنسبة للسحر والشعوذة ؛ فهي لم تخرق العادة ، ولم تسلم من المعارضة. فقد تعلمها كل من هب ، ودب ممن رضوا لأنفسهم تعلمها ، والإلمام بها ، وإتقانها.
وتالله ، إن كانت معجزات الأنبياء والرسل ـ وهي حسية ـ لا تقارن ، بل لا يجوز تمثيلها بالسحر ، والشعوذة ، فما بالك بالمعجزة المعنوية ؛ معجزة الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، القرآن كلام ربنا الخالد ، والمعجز ، هذه المعجزة الربانية معجزة البصائر لا الأبصار ، معجزة العقول لا العيون!! فهل يعقل أن تخلط بالسحر ، والشعوذة ؛ وأن تساوى بهما؟!! تالله إنّه لكفر الغباء والجهالة ، والعناد!!.
أخرج الإمام البخاري أن الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» قال : «ما من الأنبياء نبي إلّا أعطي ما مثله آمن عليه البشر ؛ وإنّما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا». وقيل في معنى الحديث : إنّ معجزات الأنبياء الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار. كناقة صالح ، وعصا موسى ، في حين أنّ معجزة القرآن تشاهد بالبصيرة ؛ فيكون من يتبعه لأجلها أكثر ؛ لأنّ الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده ؛ والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأوّل مستمرا. وقيل في معنى الحديث أيضا : إنّ معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم ، فلم يشاهدها إلّا من حضرها. في حين أن معجزة القرآن إلى يوم القيامة ، وخرقه للعادة في أسلوبه ، وبلاغته ، وأخباره بالمغيبات ، فلا يمر عصر من الأعصار إلّا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنّه سيكون دليلا على صحة دعواه (١).
ويكفينا تفنيدا لهذه الشبهة القول : بأنّ الزلل الواضح ، والفاحش الذي وقع فيه أصحاب هذه الشبهة أنّهم فقدوا البينات ، المزعومة ، بعد أن جاءتهم البينات اليقينية ، مصداق قوله تعالى : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ
__________________
(١) السيوطي ـ الإتقان ـ ج ٢ ص ١١٧.