ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة البقرة آية ٢٠٩. وأنّهم اختلفوا في الكتاب بفقدانهم البينات من بعد ما جاءتهم البينات. مصداق قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) سورة البقرة آية ٢١٣.
الشبهة الثامنة :
إنّ معجزة القرآن المبنية على خوارق العادات ليست معجزة ، وكذلك تصديق الله لرسوله ، ولأنبيائه لا يسمى إعجازا. ودليل ذلك : أن هذا يعتبر خروجا عن النظام العام الذي تقتضيه الحكمة ، وخروجا عن السنن الكونية التي تناط بها المصلحة. وبهذا ، فالخروج عن النظام العام والخرق للسنن الكونية لا يسمى إعجازا. ويضربون مثلا على ذلك الفتاة الفرنسية جان دارك في القرن الخامس عشر الميلادي ، فقد اعتقدت أن العناية الإلهية أرسلتها لإنقاذ وطنها ، وحماية أهل بلدها ، فصدقت نفسها ، وصدقها النّاس ، وجاءت بخوارق عظيمة خرقت بها النظام العام والسنن الكونية التي جرى النّاس عليها في زمنها ؛ فتقلدت إمرة الجيوش وسنت القوانين ، وأصدرت التعليمات ، ونشرت الأفكار ، والمعلومات ، وحققت الكثير من معتقداتها ، وهزمت أعداءها ، ومع ذلك لا يسمى عملها إعجازا ، ولم تكن دعوتها معجزة. وإنّما كان ذلك أثرا لمواهبها ، ومعتقداتها ، وأفكارها. وكذلك محمد ، فالقرآن ما هو إلّا أثر من آثار مواهبه حقق بها بعض الخوارق ، فلا يجوز أن يسمى ما جاء به إعجازا.
تفنيد هذه الشبهة :
أولا : إنّ الخروج عن النظام المعتاد الذي اعتاده النّاس في حياتهم لا يسمى خروجا عن النظام العام الذي تقتضيه الحكمة ، وتنوط به المصلحة. بل على العكس من ذلك ، فإنّ الخروج عن النظام المعتاد