يعتبر من مقتضيات تحقيق النظام العام وتأكيده والمحافظة عليه. وخاصة إذا كان ذلك النظام العام يتمثل في الحق ، ومن مقتضيات الحق. فإنزال القرآن على الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وما جاء به من أحكام ، ومعتقدات ، وتشريعات ، وأخلاق ، وأوامر ونواه ، وإن لم يكن متعودا عليه عند العرب ، وخرج عما اعتادوه من أنظمة حياة ، وأخلاق ، ومعتقدات ، ومعاملات ، فهذا ـ أي نزول القرآن ـ لا يعتبر خروجا عن النظام العام أي الحق ، وأصله ؛ وإنّما جاء تأييدا له ، وتأكيدا لأحقيته. قال تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) سورة الإسراء آية ١٠٥.
فالقرآن الكريم ولو خرج عما اعتاده النّاس في حياتهم من معتقدات ، وبيانات ، وأخلاق ، ومعاملات ، فهو لم يخرج أبدا ، ولن يخرج ، عما تقتضيه مقتضيات الحق ، ومقتضيات تحقيق النظام العام ، والتي تتطلبها شواهد الحكمة ، ومعالم العقلانية السليمة ، ومؤشرات تحقيق المصلحة لجميع من نزل فيهم ، ولهم القرآن الكريم. فهذا أعظم كتاب وجد على ظهر هذه البسيطة إنما جاء ، ونزل ليحق الحق ، ويبطل الباطل ، فهو يهدي للتي هي أقوم ، فكيف يدعي أنّه غير معجز ، وأنّه خرق للنظام العام ـ قال تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) سورة الإسراء آية ٩.
وقد نزل هذا القرآن شفاء ، ورحمة للمؤمنين ، فكيف يدعي أنّه خرق لنواميس الحق والحكمة!! قال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) سورة الإسراء آية ٨٢.
ثانيا : إنّ القرآن الكريم في خرقه للعادات ، والنواميس الكونية هو إعجاز في حد ذاته. وهذا هو الإعجاز الذي نؤكده ، ونثبته. وهذا الخرق تقتضيه الحكمة ، وتدعو إليه المصلحة. وما هذا القرآن إلّا كتاب رباني نزل رحمة للبشر ، ونورا للناس ، وهداية للأمم ، والشعوب. وأنزله الله تعالى ؛ ليفصل بين الحق ، والباطل ؛ والهداية ، والضلال ؛ والاستقامة