وقال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) سورة النحل آية ١٢.
وقال تعالى : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) سورة النحل آية ١٣. وقال تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) سورة النحل آية ٦٧.
وقال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة النحل آية ٦٨ ـ ٦٩. ولكن هذه شيمة الكفار لا يؤمنون بالله إلّا إذا رأوا الله جهرة. مصداق قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) سورة النساء آية ١٥٣.
وهذه هي شيمة العلم الحديث لا يؤمن إلّا بالمحسوس. وكأن هذا المحسوس ليس بدال على خالقه. وقد رأوا من آيات ربهم ما رأوا سواء في الآفاق ، فغزوا الكون ، وعرفوا أسرار الكواكب ، ونزلوا على القمر ؛ وسواء في الأنفس ، فنبغوا في الطب البشري ، واطلعوا على أسرار أجهزة هذا الجسم البشري العجيب : كالجهاز العصبي ، والهضمي ، والدموي ، والتنفسي ، والتناسلي ، والبولي ، ولكن هذا التعايش مع هذه الآيات الربانية لم تزدهم إلّا بعدا عن الإله ؛ ولم تزدهم إلّا نكرانا وجحودا للإله ؛ ولم تزدهم إلّا كفرا ، وجحودا بحجة أنّهم لم يروا الله جهرة. وكأن مثل هذه الآيات لم تقنعهم ، ولم تكفهم للإيمان بوجود الله تعالى. وهكذا ديدن الكفار قديما ، وحديثا ؛ كلما جاءتهم آية من ربهم ، قالوا هذا سحر مبين ، ثم جحدوا بها. مصداق قول ربنا فيهم : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) سورة النمل آية ١٣ ـ ١٤.