ومن هنا كان كفرهم بغيبيات القرآن الكريم ، وآياته شاهدا على يأسهم من رحمة الله ، وأولئك لهم عذاب أليم. قال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) سورة العنكبوت آية ٢٣.
ثانيا : إنّ سر الإعجاز الغيبي للقرآن يكمن حقيقة في أنه وقع كما أخبر. وهذا مما ليس في مقدور البشر ، ولو كانوا أنبياء ؛ إلّا أن يوحى إليهم ، فخرج القرآن بإعجازه الغيبي عن تكهنات ، وغيبيات الناس ، فكان متخطيا لشبهاتهم. فما وقع من غيبيات في الماضي ، صدقه التاريخ ؛ وما وقع من غيب الحاضر ، صدقه ما جاء به الأنبياء ، وما كشفت عنه العلوم والتجارب. وما يقع من غيب المستقبل ، يصدقه الزمن. ولو كان القرآن من عند محمد لما صدقت غيبياته جميعها ، ولما اتصف وقوعها بالإطلاقية ، ولظل صدقها نسبيا.
وهذا يعني أنّ القرآن الكريم أعجز البشر مسلمين ، وغير مسلمين بحقائقه ، وأخباره الغيبية ؛ وبشكل خارق لعاداتهم ، وعلومهم ؛ وبشكل خارج عن قدراتهم التنبئية ، والإعلامية ، والعلمية ، ممّا يدل دلالة لا مراء ولا جدال فيها أنّ هذا القرآن هو كتاب إلهي ، ومن عند علّام الغيوب لا يعلمها إلّا هو مصداق قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) الأنعام آية ٥٩.
ولقد أكدت حقيقة الإعجاز الغيبي للبشرية جمعاء صدق نبوّة الحبيب المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم النبي الأمي ، ونافية عنه علم الغيب ، أو أن يكون القرآن المشتمل عليه من عنده.
قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) سورة الشورى آية ٥٢.