ثالثا : إن القرآن الكريم يتصف بالكمال ، والعمومية ، والعالمية.
وهكذا ، فكيف يقارن القرآن الكريم بغيره من الكتب السماوية ، وهو الذي جاء بالهدي التام ، والكمال ، ودين الحق الذي أعلاه على جميع الأديان الوضعية ، والشرائع السماوية الأخرى؟!! مصداق قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) سورة الفتح آية ٢٨.
فالقرآن الكريم ـ على عكس الكتب السماوية الأخرى ـ جاء للناس كافة يعالج شئونهم الدينية ، والدنيوية. فشواهد عالميته ، وكماله تتسع لمعالم عموميته في المعالجة. وبديهي أن الكتاب الذي ينزل ، ويأتي للناس كافة يحمل في دلالات نزوله عمومية المعالجة لشئونهم الدينية والدنيوية كافة. قال تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) سورة الأعراف آية ١٥٨. ودلالة العمومية يؤصلها ورود قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) في القرآن الكريم نحو ثمان وعشرين مرة. والقرآن الكريم في حمله لشواهد الرحمة للناس كافة تقتضي مفاهيمه ، ودلالاته ألّا تجزأ هذه الرحمة ، وتقتصر على أمور الدين دون الدنيا. فلا مجال مطلقا للقول بفصل القرآن عن الحياة ، أو فصل الدين عن حياة الأفراد. قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) سورة الأنبياء آية ١٠٧. والقرآن الكريم في إخراجه للناس من الظلمات إلى النور من البديهي ألا تقتصر شواهده هذه على أمور الدين دون الدنيا. قال تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) سورة إبراهيم آية ١.
وإن دلالة عمومية القرآن الكريم ، وكماله ، وسموه على الكتب السماوية الأخرى تؤكدها الأحاديث النبوية الشريفة. ومنها ما رواه أئمة الأحاديث عن أنّ الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» عند ما رأى عمر بن الخطاب يقرأ في نسخة من التوراة قال له فيما ورد في الحديث : «لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلّا أن يتّبعني». وقال فيما قال : «لقد تركتكم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها» والمحجّة البيضاء تبقى حجة بيضاء لنا وعلينا ،