بذاته ، وبرسوله كاشفا لمعالم ، وشواهد أهل الكتاب في التحريف ، والتغيير ، والإخفاء لكتبهم أو لما في كتبهم. مصداق قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) سورة المائدة آية ١٥. ومن هنا اقتضت شواهد الحكمة الربانية في الإعجاز القرآني أن يظل مصانا من التحريف ، وإلى أبد الآبدين مصداق قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) سورة الحجر آية ٩.
ولنا القول : بأنّ الإعجاز القرآني بمعنى عدم التحريف لا يعني عدم القدرة على الزيادة فيه ، أو النقصان منه ، أو عدم الاستطاعة عن إحداث التغيير بالحذف ، والتقديم ، والتأخير في كلماته ، وآياته أو بينهما ؛ فهذا قد يكون مقدورا عليه من قبل الأفراد. ولكن المقصود بعدم إمكانية تحريف القرآن هنا يتمثل في إمكانية كشف ذلك التغيير ، أو النقص أو الزيادة فيه. فمن المستحيل أن يبقى التحريف خافيا على المسلمين ، وبحيث يؤدي إلى ضياع القرآن ، والاختلاف فيه ، كما حدث بالنسبة لاختلاف اليهود ، والنصارى في كتبهم ، ومن ثم ضياع السماوية منها. فالعناية الإلهية حفظت القرآن الكريم من التحريف بكشفها لكل تحريف ، وبحفظها له من الضياع له ، والاختلاف فيه.
وبهذا ترى المسلمين في بقاع الأرض ، وفي مختلف الأزمان والعصور ، وعلى اختلاف أعراقهم ، ومذاهبهم يقرءون قرآنا واحدا. أخرج أبو داود عن جابر «رضي الله عنه» قال : «خرج علينا رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ونحن نقرأ القرآن ـ وفينا الأعرابي ، والعجمي ـ فقال : اقرءوا فكل حسن».
وهذا كله عكس ما عليه الكتب السماوية الأخرى ، ومنها التوراة مثلا ، وهي كتب موسى الخمسة : التكوين ، والخروج ، واللاويون ، والعدد ، والتثنية ، فكلها محرفة ، ولم تثبت صحتها عن موسى ، وألفت في أزمان متفاوتة تزيد على ألف عام. وكذلك يقال نفس الشيء بالنسبة للعهد القديم الذي يضم تسعة وثلاثين سفرا قسمت إلى ثلاثة أقسام : التوراة ، والأنبياء ، والكتب.