الدولة كما أوجب إقامة أركان الإسلام ، وفرائض الدين ، وأصول الاعتقاد. فالدين وضع إلهي ، وهو في الرسالة الخاتمة قد اكتملت أركانه وعقائده ، وأصوله ، وشريعته في القرآن الكريم الذي لم تشتمل آياته على نظام للحكم ، ولا تشريع للدولة ، ولا تفصيل للحكومة التي يزكيها كي تسوس مجتمع الإسلام».
وكما يذكر : «وبالطبع فليس بين أهل الإسلام من يعتقد أن هذا السكوت القرآني عن تفصيل شأن الدولة ، ونظام الحكم السياسي راجع إلى السهو ، أو القصور أو التقصير. فحاشا لله ، وتنزه سبحانه. لكن الذي يعتقده المسلمون هو أن القرآن ـ ذلك الكتاب لا ريب فيه ـ لما كان كتاب الرسالة الخاتمة ، فإنه قد وقف عند النهج ، والمقاصد ، والغايات ، والفلسفات في كل ما يتصل بالأمور التي هي محل ، وموضوع للتغير ، والتطور الذي هو قانون طبيعي ، وسنة من سنن الله في الكون الذي أبدعه ويرعاه. ومن هذه الأمور إقامة الدولة الإسلامية ، وقيادة الأمة ، وسياسة المجتمعات» (١).
ولنا أن نؤكد : أن القرآن ، وإن لم يذكر الدولة ، ويصنفها ضمن الأركان ، والأصول ولكنه لم ينف ضرورتها. بل أصّل هذه الضرورة من خلال تأصيله لواجباتها ، وأساس وظائفها ، وعلى رأسها الدينية. وكذلك ، وإن لم يحدد شكلا معيّنا ، أو قانونا جامعا للسياسة ، والإدارة ، لكنه لم يهمل ذلك كلية. فبعد استيفائه لذكر الثوابت ، وانتقاله للمتغيرات كنظام الحكم ، فقد وقف عند تحديد المقاصد ، والفلسفات ، والغايات ؛ والتي صاغها في صورة مثل عليا ، ووصايا ، وكليات ، وأطر حاكمة ومرنة ، وما سكت عنه هي النظم ، والنظريات ، والقوانين حيث تركها للعقل ، والتجربة ، والتقنين ، لنهتدي بهذه الأمثلة على درب الخلق ، والإبداع ، والإضافة ، والتجديد في ميادين الحكم ، والسياسة. ولنا أن
__________________
(١) ابن تيمية. منهاج السنة النبوية. ج ١ ص ٧٢٧٠. المرجع السابق.