وإن لم تكن الدولة واجبا دينيا ، فهي واجب مدني ، وضرورة مدنية يتوقف على حقيقتها ، ووجودها أداء الواجبات الدينية. فمن الاستحالة قطع العلاقة بين الضرورة المدنية ، والواجب الديني ، ومن العسير فصم العلاقة بين الدولة ، وبين الدين ، فهما متلازمان أبدا. ولا تستقيم شرعا ، وعقلا دعاوى العلمانيين بالفصل بينهما. وكما يذكر الإمام الماوردي : فصلاح الدنيا لا يستقيم إلّا بما ينتظم أمور جملتها ، وإلّا بما يصلح حال كل واحد من أفرادها. وصلاح الدنيا من صلاح الدين ، وكلاهما متعلق أمر تنفيذه ، والقيام بشواهده ، ومعالمه بوجود الدولة ، ينفذ سياستها في الإصلاح الحاكم أو المسئول أو الخليفة أو أمير المؤمنين. وحتى الواجبات الدينية في ذاتها يتعلق أمر القيام بها بالحاكم ، أو الوالي ، أو رئيس الدولة : كجمع الزكاة من أصحابها ، ومصادرها ، ووضعها ، وصرفها في مصارفها ؛ والقصاص ، وما يقتضيه من إجراءات في الإثبات ، وشهادة الشهود والإقرار ، ورعاية المصالح العامة الإسلامية على النحو الذي يحقق النفع ، ويمنع الضرر عن الجميع ؛ وتنظيم أمر الشورى ، وإقامة حكمه ؛ والقيام بإدارة المرافق ، وإقامة الحدود ، ونشر العلم ؛ وإشباع الحاجات ، وتحقيق مقاصد الشريعة ، وهي الضرورات الخمس ... إلخ.
وبذلك فإن ضرورة ، وحتمية وجود الدولة الإسلامية ، يستدعي إقامتها ، وإن لم تكن أصلا أو ركنا من أركان الدين. ولم يقل أحد بذلك ، وبالمقابل لم يقل أحد إنّها غير ضرورية. ولنا أن نستأنس بقول شيخ الإسلام ابن تيمية ٦٦١ ـ ٧٢٨ ه ـ ١٢٦٣ ـ ١٣٢٨ م. «والدولة ـ الإمامة ـ الخلافة ليست ركنا من أركان الإيمان الستة ، وهي : الإيمان بالله ، والملائكة ، والكتب ، والرسل ، واليوم الآخر ، والقدر ...».
وكما يقول أيضا : «ولا ركنا من أركان الإحسان التي يجمعها : أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه ، فإنّه يراك». وكما يقول أيضا : «ولم يقل أحد من هؤلاء الأعلام : إنّ الوحي القرآني قد فصل للدولة الإسلامية نظاما ؛ ولا أن الله قد أوجب على رسوله في القرآن إقامة