فو الذي بعثك بالحق ، لنمنعنّك مما نمنع منه أزرنا ، فبايعنا يا رسول الله؟ فنحن ـ والله ـ أبناء الحروب ، ورثناها كابرا عن كابر. فقال أبو الهيثم بن التيهان ، يا رسول الله ، إنّ بيننا ، وبين الرجال ـ اليهود ـ حبالا. وإنا قاطعوها ، فهل عسيت إن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله ، أن ترجع إلى قومك ، وتدعنا!! قال : فتبسم رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ثم قال : «بل الدم الدم ، والهدم الهدم. أنا منكم ، وأنتم مني ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم (١). بمعنى : أفاديكم بدمي إن أحل أحد دمكم ، وبمنزلي إن حاول أحد أن يهدم منازلكم. بمعنى : أفاديكم بروحي ، وحياتي ، وما أملك.
وقد تضمن التأسيس دين الدولة ، وأركان الإيمان ، وشواهد الإسلام. وهذا ما يتجلى دائما في لقاءات وبيع الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» : كبيعة العقبة الأولى ؛ حيث تذكر كتب السيرة النبوية عن عبادة بن الصامت قوله : «بايعنا رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ليلة العقبة الأولى : أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف. قال الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» : «فإن وفيتم ، فلكم الجنة ؛ وإن غشيتم من ذلك شيئا ، فأخذتم بحده في الدنيا ، فهو كفارة له ؛ وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله ؛ إن شاء عذب ، وإن شاء غفر» (٢).
هذا هو رسولنا محمد «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وهذه هي عقوده ، وبيعه. وهذه هي أسس دولته ، أقامها على الشرعية في التأسيس ، والوفاء بالعقد ، والالتزام بالإسلام في الحكم ، والإيمان في العمل.
٢ ـ وأما بالنسبة للدستور : فقد جعله الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» مستندا إلى القرآن الكريم في تنظيمه لعلاقات الرعية السياسية. منها ما يتعلق بالله تعالى ، ومنها ما يتعلق بالمؤمنين فيما بينهم ، ومنها ما يتعلق بعلاقاتهم
__________________
(١) الشيخ محمد الغزالي. فقه السيرة. ص ١٥٨. طبعة دار الكتب الحديثة ـ القاهرة ١٩٧٦.
(٢) محمد الغزالي ـ المرجع الآنف الذكر. ص ١٥٥.